موقعة الزلاقة
الزمان/ الجمعة 12 رجب - 479هـ
المكان/ الزلاقة – بطليموس – غرب الأندلس
الموضوع/ جيوش المسلمين بقيادة يوسف بن تاشفين ينتصرون على الصليبيين في الأندلس .
الأحداث/
لم يعلم الوزير أبو محمد بن جهور مدى خطورة القرار الذي اتخذه بإلغاء الخلافة الإسلامية في الأندلس في سنة 422هـ عقب انهيار حكم الأمويين لأن هذا القرار كان ذريعة لتشرذم بلاد الأندلس وتمزق الجسد المسلم في تلك البلاد البعيدة عن حاضرة الخلافة الإسلامية فلقد انقسمت البلاد إلى دويلات صغيرة واستقل كل أمير بمقاطعته وأعلن نفسه ملكاًعليها وتسمى بعضهم بأمير المؤمنين لأن الأندلس دخلت بذلك عهداً جديداً بل قل نفقاً مظلماً وهو عهد ملوك الطوائف فالبربر بالجنوب والصقالبة بالشرق وأما البقية الباقية فقد ذهبت إلى أيدي محدثي النعم أو بعض الأسر القديمة وقد حكم في هذه الفترة نحو عشرون أسرة مستقلة في عشرين مدينة ومن أشهر ملوك الطوائف :
- بنو عباد بأشبيلة .
- بنو حمود الأدارسة بمالقة والجزيرة .
- بنو زيري بغرناطة .
- بنو هود بسرقسطة .
- بنو النون بطليطلة .
ولقد ساد في هذا العصر في الأندلس الترف والأدب والشعر وغلبت أجواء الليونة والعشق والغرام والميوعة على أهلها وكل ذلك كان تقدمة وتسهيل للعدوان الصليبي على الأندلس .
على الطرف الآخر كان الصليبيون يعملون بجد وعزم شديدين للنيل من المسلمين وقام فيهم ملك قوي هو ألفونسو السادس فوحد تحت إمارته ليون وقشتالة وإستوريا وقرر أن يستفيد من حالة الفوضى وجو الميوعة والترف الشائعين في الأندلس خاصة أنه قد بان له ضعف ملوك الطوائف خاصة أنهم كان يتقربون إليه بالعطايا ويدفعون له الإتاوات ويطلبون حمايته , فأخذ ألفونسو يأخذ الحصون الصغيرة الواحد تلو الآخر ويعد العدة للوثوب عليهم والقضاء على الوجود الإسلامي في الأندلس وبالفعل وثب ألفونسو وثبة كبيرة واستولى على مدينة طليطلة سنة 478هـ وذلك بعد حصار للمدينة دام سبع سنوات متصلة وقضى على ملوك بني النون .
فلما ملك ألفونسو طليطلة قوي أمره جداً وعزم على أخذ باقي البلاد وبان ذلك عندما رفض أخذ الإتاوة من المعتمد بن عباد كما هو معتاد وهدده وتوعده وأرسل إليه سفيراً يهودياً من عنده اسمه ‘ابن شاليب’ أساء الأدب مع المعتمد وكان مع ابن شاليب اليهودي خمسمائة فارس ففرقهم المعتمد على قواده وأمر بقتلهم جميعاً وأخذ ابن شاليب اليهودي وظل يصفعه حى خرجت عيناه من شدة الصفع ولم يسلم من الخمسمائة إلا ثلاثة فقط عادوا بالخبر لألفونسو فأقسم بأغلظ الأيمان ليغزو قرطبة ويأخذها من ابن عباد .
لقد كان ألفونسوا هذا متجبراً متكبراً عنيداً ساعده ضعف ملوك الطوائف وانشغالهم باللهو والملذات على البطش والجبروت بالمسلمين وأخذ بلادهم واحداً تلو الآخر وكان ملوك الطوائف لا يزنون عند ألفونسو جناح بعوضة وبلغ من استهزاءه بهم أنه ذات يوم أرسل للمعتمد بن عباد سفيراً من عنده يطلب منه السماح لزوجته أن تدخل جامع قرطبة لتلد فيه حسب إشارة القسيسين والأساقفة لأن جامع قرطبة كان مكانه كنيسة مقدسة عند النصارى لتحصل البركة للمولود فلم يتمالك ابن عباد نفسه فقتل حامل الرسالة لوقاحتها وأمر به فصلب منكوساً بقرطبة وكان هذا أيضاً من أسباب عزم ألفونسو على غزو قرطبة وإشبيلية .
أعد ألفونسو جيشين كبيرين زحف أحدهما إلى باجة ثم إشبيلية والآخر قاده بنفسه ثم لحق بالأول ونزل بهما أمام قصر ابن عباد على الضفة الأخرى من نهر الوادي الكبير ثم أرسل لابن عباد متهكماً ‘لقد كثر بطول مقامي في مجلسي الذباب واشتد على الحر فأتحفني من قصرك بمروحة أروح بها على نفسي وأطرد الذباب عن وجهي’ فكتب له ابن عباد على ظهر رسالته بخطه يقول ‘قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية تريح منك لا تروح عليك’ فعندما قرأ ألفونسو الرد وقع منه موقعاً شديداً لم يخطر له على بال .
كان ابن عباد لما وقعت داهية الاستيلاء على طليطلة ورفض ألفونسو أخذ الإتاوة كما هو معتاد شعر أن هذا الخنزير يدبر لأخذ باقي الأندلس فاجتمع عنده مشايخ قرطبة وقالوا له ‘هذه بلاد الأندلس قد غلب عليها الفرنج ولم يبق منها إلا القليل وإن استمرت الأحوال على ما نرى عادت نصرانية كما كانت ‘ فأشار بعضهم بالاستعانة بالقبائل العربية في أفريقيا على أن يعطوهم الأموال اللازمة ويجاهدوا معهم ولكنهم رفضوا هذا الرأي لأن عرب أفريقيا كان مفسدين وخافوا أن يبدأوا بهم ويتركوا الفرنج , ثم اقترح القاضي عبد الله بن أدهم الاستعانة بالمرابطين ‘وهم قبائل أصلها عربي من حمير دخلت المغرب أيام الفتح الإسلامي ثم اعتزلت باقي القبائل ودخلت الصحراء وعاشت حياة خشنة لا لهو فيها ولا ترف ونشأ فيها حب الجهاد في سبيل الله’ فلما أشار بذلك القاضي عبد الله بن أدهم وافق الجميع على ذلك وعينه ابن عباد سفيراً لأمير المرابطين القائد ‘يوسف بن تاشفين’ وبالفعل توجه عبد الله بن أدهم للمغرب وقابل أمير المرابطين وأعلمه بما عليه حال المسلمين وكيد الصليبيين لهم وكان أمير المرابطين عنده علم بما جرى للمسلمين لكثرة من يفد عليه من مشايخ البلاد طالبين النصرة والنجدة , ولما عوتب المعتمد ابن عباد في الاستعانة بالمرابطين وخوفوه من ذلك بذهاب ملكه قال المعتمد بن عباد كلمته الشهيرة التي صارت مثلاً سائراً ‘لئن أكون راعي جمال في صحراء أفريقية خير من أن أرعى الخنازير في قشتالة ولئن أكون مأكولاً لابن تاشفين خيراً من أكون أسيراً لألفونسو’ والمهم أن يوس بن تاشفين وافق علي نصرة إخوانهم وأمر بإعداد الجيوش الإسلامية لعبور البحر إلى الأندلس .
عندما أعلن يوسف بن تاشفين نفير الجهاد في سبيل الله ونصرة المسلمين جاءه المتطوعين من كل مكان واجتمعت عنده أعداد كبيرة وما كادت سفن المرابطين تنشر قلاعها حتى صعد يوسف بن تاشفين إلى مقدمة سفينة ودعا الله عز وجل مخلصاً ‘اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيراً وصلاحاً للمسلمين فسهل عليّ جواز هذا البحر وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجزه’ فهدأ البحر وجازت السفن سراعاً ولما نزل أرض الأندلس سجد لله شكراً ولقد اصطحب يوسف بن تاشفين معه آلاف الإبل ولم يكن أهل الأندلس قدر رأوها من قبل فلما دخلت الجيوش ومعها الإبل ارتفع رغاؤها إلى عنان السماء ففزع أهل الأندلس من ذلك خاصة خيولهم التي تر إبلاً قط , وعندما علم ألفونسو بقدوم جيوش المرابطين عاد مسرعاً إلى طليطلة وأعلن النفير العام في صليبي الأندلس فاجتمع عنده أعداد هائلة وأرسل ألفونسو رسالة طويلة لأمير المرابطين يتهدده ويتوعده ويصف له قوة جيوشه فأمر يوسف بن تاشفين كاتبه أبا بكر بن القصيرة أن يرد عليه فكتب رسالة طويلة أجاد فيها فلما قرأها يوسف قال هذه رسالة طويلة ولكن اكتب على ظهر رسالته ‘الذي يكون ستراه’ فلما قرأ ألفونسو الرسالة ارتاع منها وعلم أنه بلي برجل له عزم وحزم فازداد استعداداً .
انضم باقي ملوك الطوائف إلى المرابطين وابن عباد منهم الراضي ومنهم الكاره وتكاملت جيوش المسلمين وبلغ تعدادها عشرين ألفاً يقودهم أمير المرابطين يوسف بن تاشفين وابن عباد يقود مقدمة الجيوش , في حين جيوش ألفونسو بلغ تعدادها خمسين ألفاً , وفي أثناء ذلك حدث أمر غريب لألفونسو وهو أنه رأى مناماً كأنه راكب فيل وبين يديه طبل صغير وهو ينقر فيه فقص رؤياه على القساوسة ومن عنده من اليهود فما أحد منهم تأويلها فدس على رجل مسلم علام بالتأويل يهودياً يسأله عن تأويل المنام فقال المسلم لليهودي أنت تكذب لا يمكن أن يكون هذا المنام لك أبداً فأخبره اليهودي بالأمر فقال المسلم ‘نعم تأويل هذه الرؤيا من كتاب الله العزيز وهو قوله عز وجل } أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَـٰبِ ٱلْفِيل{ِ وقوله} فَإِذَا نُقِرَ فِى ٱلنَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ { ‘ وهذا يقتضي هلاك هذا الجيش الذي تجمعه , فلم يعجب ذلك التأويل ألفونسو ولما اجتمع جيشه رأى كثرته فأعجبته فأحضر العالم المسلم المعبر للرؤيا وقال له ‘بهذا الجيش ألقى إله محمد صاحب كتابكم وأحارب الشيطان والجن والملائكة‘ .
برز الجيشان كلاهما على حدة وذلك في منطقة الزلاقة غرب الأندلس فلما رأى يوسف كثرة جموع ألفونسو قال للمعتمد ‘لم أعلم أن هذا الخنزير قد بلغت قوته ما أرى’ ولكن هذا لم يفت في عضدهم عن القتال , وعندها أرسل ألفونسو ليوسف يقول له وكان ذلك يوم الخميس ‘إن الجمعة لكم والسبت لليهود وهم وزراؤنا وخداما ً ولا نستغني عنهم والأحد لنا فاللقاء يكون الاثنين’ وكان الخبيث يبيت الغدر بالمسلمين والهجوم عليهم يوم الجمعة ولكن المعتمد بن عباد شعر بالمكيدة وظل على أهبة الاستعداد للقتال في أي لحظة في حين أن المرابطين خرجوا لأداء صلاة الجمعة وخلعوا ملابس الحرب وعند فجر يوم الجمعة 12 رجب 479هـ هجم اللعين الغادر ألفونسو بجيوشه على المسلمين ظاناً منه أنهم غافلون ولكنه فوجئ بالمعتمد يبرز له بالمسلمين ودارت رحى الحرب طاحنة هائلة جداً وضغط ألفونسو بالخمسين ألفاً على كتيبة المعتمد الذي أبدى صنوفاً من البطولة والشجاعة النادرة وظل يقاتل بضراوة وسيفه في يده حتى أصيب بجراحات كثيرة وهو مازال على صهوة جواده حتى أيقنوا الهزيمة إذ طلعت عليهم جيوش المرابطين التي ركبت خيلها وأخذت سلاحها ودخلت حلبة الصراع بكل قوة وكان المرابطون مشهورين بقوة الضرب والرمي في القتال وأمر يوسف بن تاشفين كتيبة السود عنده في جيشه بالترجل فترجل أربعة آلاف معهم الرماح والسيوف والخناجر وقامت هذه الكتيبة بعقر خيول الصليبيين وقتل فرسانها وطعن أحدهم ألفونسو في فخذه طعنة خرقت درعه الصلب وأصابته إصابة شديدة جعلته أعرجاً باقي عمره , ووقع الصليبيون في كماشة بين يوسف والمعتمد فطحنهم طحناً حتى قتل الجيش بأسره ولم يبقى منه سوى ألفونسو الذي هرب في ثلاثمائة فارس لا غير وغنم المسلمون غنيمة عظيمة ولما عاد ألفونسو لبلده مات هماً وغماً مما جرى له وللنصرانية على يدي المسلمين في يوم أعز الله في الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين .
بعد أن انتهت هذه المعركة الهائلة عاد يوسف بن تاشفين إلى بلاده مرة أخرى باراً بوعده للمعتمد ألا يضم الأندلس إلى ملكه ولكنه ترك حامية تقدر بثلاثة آلاف جندي للدفاع عن البلاد في حالة الهجوم الصليبي مرة أخرى .
ومن الطرائف أن الذي صد الصليبيين في المشرق حيث بلاد الشام هو صلاح الدين يوسف بن أيوب والذي تولى صدهم في المغرب حيث بلاد الأندلس يوسف بن تاشفين ولكن شهرة الأول غطت على شهرة الثاني رغم أن الثاني هو الذي أنقذ الأندلس من الضياع وأجل سقوط أربعة قرون كاملة .
كتبهاعزالدين القوطالي