السؤال
نحن في مركز إسلامي في دولة أجنبية لغتها الروسية، وظهرت عندنا فكرة ترجمة كتاب للدكتور بسام الجرار عن الإعجاز العددي في القرآن الكريم، وكانت الفكرة من هذا العمل أن تطرح هذه المادة على غير المسلمين بالصورة التي يعرضها المؤلف جزاه الله خيرا بعد ترجمته ترجمة دقيقة لما فيه من الحجج العلمية والعددية التي يطرحها الشيخ في هذا الكتاب فنكون بهذا نواجه الإلحاد بطريقة علمية كما هو عليه أسلوب هذا الكتاب
وقد ظهرت عند بعض الإخوة تحفظات مختلفة من هذه الفكرة وخرجنا بأن نتوجه بالسؤال في هذا الموضوع إلى أهل العلم، والذي نريده من فضيلتكم أن تعطونا رأيكم في هذا الموضوع بعد أن تطلعوا إن أحببتم على محتويات الكتاب من خلال الوصلة التالية
http://www.islamnoon.com/Derasat/Erhasat/home.htm
ولكم منا ومن جميع إخوانكم جزيل الشكر، وجعلكم الله ذخرا للإسلام والمسلمين، ونرجو منكم الرد على العنوان التالي
drfiras2002@yahoo.com ؟
الاجابه :
فكتاب الله هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:41-42] .
ويجب أن يصان كتاب الله عن الظنون والأوهام، وقد اتفق أهل العلم على حرمة التفسير بالرأي بلا أثر ولا لغة، وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.
وقال عمر وهو على المنبر: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً) ثم قال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبُّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر! وقد ذكر هذه الآثار ابن أبي شيبة في مصنفه، و ابن القيم في إعلام الموقعين.
والذي لا يشك فيه مسلم هو أن القرآن معجز في فصاحته وبلاغته، معجز في علومه ومعارفه، لأنه كلام رب العالمين الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، قال تعالى:
(لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) [النساء:166] .
ولكن لا ينبغي أن يتكلف المسلم استخراج بعض العلاقات الرقمية في كتاب الله بدافع الحماسة، وكتاب الله فيه من المعجزات والحقائق ما هو ظاهر بلا تكلف، فقد أخبرنا القرآن عن أحداث من الغيب ماضية، وأحداث من الغيب آتية.
والإعجاز العددي أمر لم يتطرق لبحثه السابقون من العلماء، وقد انقسم الناس اليوم فيه بين مثبت ونافٍ، ونحن نذكر بعض الضوابط التي لا بد منها للخوض في هذا الأمر.
أولاً: موافقة الرسم القرآني.
ثانياً: أن يكون استنباط الإعجاز العددي موافقاً للطرق الإحصائية العلمية الدقيقة دون تكلف أو تدليس.
ثالثاً: الاعتماد على القراءات المتواترة، وترك القراءات الشاذة.
رابعاً: أن يظهر وجه الإعجاز في تلك الأعداد بحيث يعجز البشر عن فعل مثلها لو أرادوا.
والذي نراه هو أن أكثر ما كتب في الإعجاز العددي لا ينضبط بهذه الضوابط.
والله أعلم.
فالحقائق العلمية الثابتة على قسمين:
الأول: ورد في القرآن ذكره فلا حرج في تفسير القرآن به، ويكون من باب تفسير التأويل، ولا نعني بالتأويل صرف اللفظ عن ظاهره، بل بمعنى ما يؤول إليه الأمر، ومن ذلك قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [الأعراف:53]، قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي ما وعدوا به من العذاب والنكال والجنة والنار. قاله مجاهد وغير واحد، وقال مالك: ثوابه، وقال الربيع: لا يزال يجيء من تأويله أمر حتى يتم يوم الحساب، حتى يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار، النار فيتم تأويله يومئذ. انتهى.
فظاهر من كلام مجاهد والربيع -رحمهما الله- أن التأويل في الآية بمعنى الوقوع.
الثاني: حقائق علمية ثابتة لا شك فيها ولكنها لم ترد في القرآن أو السنة، فهذه نقبلها ونسلم بها ونستفيد منها، ولا يلزم ذكرها في القرآن، لأن القرآن كتاب هداية لا كتاب علوم تجريبية، وما ورد فيه من الأخبار والعلوم فهي لإثبات الأصول التي جاء الوحي بها من الإيمان بالله تعالى وما يتبع ذلك.
أما ما لم يكن حقيقة علمية، بل ما زال في طور النظريات أو الفرضيات، فمثل هذا لا يجوز ولا يسوغ أن تلوى أعناق نصوص الكتاب والسنة لتوافق النظرية التي توصل إليها فلان من الناس، والتي قد تثبت الأيام خطأها.
ومن نظر في كلامنا حول الإعجاز العددي المذكور في الفتوى رقم:
17108، لا يجد منا جزما بإثباته ولا نفيه، بل نقول متى توافرت الضوابط الصحيحة، فلا مانع منه، ويكون نوعاً من الإعجاز حينئذ.
والذي نعتقده وندين لله به أن القرآن كلام الله وفضْلُه على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه، وأن القرآن معجز في لفظه ومعجز في معناه.
والله أعلم. م ن ق و ل