السؤال :
كيف تردون على من يقول إن القرآن جاء خاصا ً بزمن النبي ، حيث يقول تعالى : أو جاء أحد منكم من الغائط. والغائط هو المكان المنخفض من الأرض لقضاء الحاجة وهذا كان معروفا قديما. وقوله تعالى : وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون. وغيرها من الآيات ؟
الإجابــة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن القرآن يتوجه خطابه لأهل كل زمان ومكان ويدل لذلك عموم قوله تعالى: هُدًى لِلنَّاسِ. {البقرة: 85}. وعموم قوله: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ. {الأنعام: 90}.
وأما الاستدلال بما ذكر فلا يفيد قصر خطاب القرآن على الزمن القديم، فإن الناس لا يزال كثير منهم إلى الآن يمشي إلى المكان المنخفض من الأرض لقضاء الحاجة وقد كان كثيرون في العهد النبوي فما قبله يستخدمون الكنف.
وأما الحديث عن الفلك والأنعام فقد جاء معها الحديث في القرآن عن خلق ما لم يكن معلوما آنذاك كما في قوله تعالى: وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ. {النحل: 8}. بل جاءت فيه إشارة إلى السفن البرية كما في قوله تعالى: وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ. {يس: 42}.
وكم من المسائل التي اكتشفت في هذا العصر وتكلم أهل الخبرة في الإعجاز القرآني عن حديث القرآن في شأنها.
والله أعلم.
جواب شبهة حول قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس)
السؤال :
نجابه بقول نصراني خبيث يقول عن الآية: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. بأن الأمة الإسلامية كانت خير أمة والآن ليست كذلك, ولغوياً إعراب كان: فعل ماضي ناقص وهذا في الزمن المنقضي والذي أفل. فأرجو التكرم بإجابة شافية لنتمكن من الرد على هذا الكلام الخبيث؟
الإجابــة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمبنى هذا الإشكال هو الاقتصار في معنى (كان) على المضي والانقطاع، وليس هذا بصحيح، فإن (كان) وإن كان معناه في الأصل المُضِيَّ، إلا أن لها معاني أخرى.
قال السيوطي في (الإتقان): "كان" فعل ناقص متصرف يرفع الاسم وينصب الخبر، ومعناه في الأصل المضي والانقطاع، نحو: { كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا }. وتأتي بمعنى الدوام والاستمرار، نحو: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ. أي لم يزل كذلك... قال أبو بكر الرازي: كان في القرآن على خمسة أوجه، بمعنى الأزل والأبد، كقوله: وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا. وبمعنى المضي المنقطع، وهو الأصل في معناها، نحو: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ .{النمل: 48}. وبمعنى الحال، نحو: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ {آل عمران:110}. إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا. {النساء:103} ... اهـ.
وذكر لها معاني أخرى، وقد سبق لنا بيان شيء من هذا في الفتوى رقم: 6457.
وينبغي أن يعلم أن الأمة الإسلامية الموصوفة بالخيرية هي التي تحقق الشرط المذكور في الآية: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. {آل عمران 110}. وهذه صفة سلف هذه الأمة، ولذلك جاء عن بعض المفسرين تخصيص طائفة من هذه الأمة بهذه الخيرية، كما قال ابن عباس: هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. اهـ.
وقال السيوطي في (الدر المنثور): أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: قال عمر بن الخطاب: لو شاء الله لقال: أنتم فكنا كلنا، ولكن قال (كنتم) في خاصة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن صنع مثل صنيعهم، كانوا خير أمة أخرجت للناس. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية ثم قال: يا أيها الناس من سره أن يكون من تلكم الأمة فليؤد شرط الله منها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. {آل عمران:110} يقول: على هذا الشرط أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر وتؤمنوا بالله. اهـ.
ومع هذا التوجيه لا يصح أيضا أن يقال: إن غير هذه الأمة خير منها؛ لأنها وإن قصرت في تحقيق الشرط إلا أن غيرها أشد تقصيرا منها، فهي أولى الأمم بهذا الوصف برغم تقصيرها.
ولذلك قال ابن كثير: الصحيح أن هذه الآية عامةٌ في جميع الأمة، كل قَرْن بحسبه، وخير قرونهم الذين بُعثَ فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يَلونهم، ثم الذين يلونهم، كما قال في الآية الأخرى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا أي: خيارا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ الآية. وفي مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه ، ومستدرك الحاكم، من رواية حكيم بن مُعَاوية بن حَيْدَة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أنْتُمْ خَيْرُهَا، وأنْتُمْ أكْرَمُ عَلَى اللهِ عزَّ وجَلَّ. وهو حديث مشهور، وقد حَسَّنه الترمذي. ويروى من حديث معاذ بن جبل، وأبي سعيد نحوه. وإنما حازت هذه الأمة قَصَبَ السَّبْق إلى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه أشرفُ خلق الله وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يُعْطه نبيًّا قبله ولا رسولا من الرسل. فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليلُ منه ما لا يقوم العملُ الكثيرُ من أعمال غيرهم مقامه، كما روى الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْ الأنْبِيَاءِ. فقلنا: يا رسول الله، ما هو؟ قال: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الأرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الأمَمِ. وإسناده حسن... وقد وردت أحاديثُ يناسب ذكرُها هاهنا. اهـ. وذكر جملة من الأحاديث في فضل هذه الأمة المباركة.
وأخيرا ننبه على أن الواجب في حق من يتصدى لنقاش النصارى ومحاورتهم أن يكون على قدر من العلم يمكنه من دفع الشبهات وبيان الباطل الذي عندهم، وإلا فلا يجوز لمن لم يكن كذلك أن يقدم على مناقشتهم ومجادلتهم لما يترتب على ذلك من الفتنة والإضعاف لموقف أهل الحق..
والله أعلم.
جواب شبهة حول خلق السماء والأرض وذكرهما مقترنين في القرآن
السؤال :
لماذا ترد الأرض في القرآن مقرونة مع السماء؟ وكيف يقرن الصغير جدا مع الكبير جدا؟ فالسماء ـ كما نعلم ـ فيها كل شيء في الكون من نجوم ومجرات وهي مقارنة بحجم الأرض مليارات الأضعاف، والأرض ما هي إلا كوكب صغير جدا كذرة رمل تسبح في السماء وهي أيضا جزء من السماء كسائر الكواكب والنجوم، فلماذا النص القرآني يشعرنا أن الأرض والسماء متقاربتان في الحجم؟ وكذلك في مدة الخلق في سورة فصلت؟ حيث خلق هذا الكوكب الصغير في أربعة أيام والسماوات في يومين فقط، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأنه باستطاعته أن يخلق كل شيء بمجرد قوله كن، ولكن ـ رجاء ـ أجيبوني عن هذه الشبهة التي لم أجد لها حلا
الاجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن المعروف أن الأرض بالنسبة للإنسان هي مستقره الذي يحيى فيه ولا يستطيع العيش دونه، وهي بيئته التي مكَّنه الله منها دون غيرها من أجزاء الكون الفسيح، فهذه السموات ـ على عظمتها وسعتها ـ ليس فيها موضع يمكن لنا أن نستقر فيه، فالأرض بالنسبة لنا هي السكن والمستقر والمتاع، فالتنويه بذكرها تذكير مباشرة بشيء محسوس لجميع بني آدم، وهو أدعى للامتنان وشكر الله تعالى، قال تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ {الأعراف: 10}.
وقال سبحانه: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ {البقرة : 36}. ولذلك كان من المناسب أن يكون اهتمام القرآن بالحديث عنها أكبر وأعظم من غيرها من أجزاء الكون، ولا سيما والقرآن لم ينزل فقط لعلماء الهيئة والفلك ونحوهم، بل نزل للناس كافة، وفيهم من لا يدرك إلا البيئة القريبة التي يباشر حياته عليها.
ولهذا المعنى أيضا: نجد أن القرآن يكثر من ذكر الشمس والقمر رغم وجود ملايين النجوم والأقمار المبثوثة في مجرات هذا الكون الفسيح مما يكبرهما بأضعاف كثيرة، وذلك لأن الشمس والقمر معروفان لكل بني آدم، ويتصل نفعهما المباشر بهم جميعا، وترتبط بدورتهما مصالح دنياهم وكذلك دينهم كأوقات العبادات من الصلاة والصيام والحج والزكاة.
وقد نبه أهل العلم على العلة من قصر مدة خلق السموات عن مدة خلق الأرض مع كونها أعظم منها، وما في ذلك من الحكم واللطائف، ومن ذلك ما قاله البقاعي في نظم الدرر: جعل مدة خلقها ضعف مدة خلق السموات مع كونها أصغر من السموات، دلالة على أنها هي المقصودة بالذات، لما فيها من الثقلين, فزادت بما فيها من كثرة المنافع وتباين أصناف الأعراض والجواهر، لأن ذلك أدخل في المنة على سكانها والاعتناء بشأنهم وشأنها وزادت أيضا بما فيها من الابتلاء بالتهيئة للمعاصي والمجاهدات والمعالجات التي يتنافس فيها الملأ الأعلى ويتخاصم، كل ذلك دلالة على أن المدة ما هي لأجل القدرة، بل لأجل التنبيه على ما في المقدر من المقدور وعجائب الأمور, وليعلم أيضا بخلق السماء التي هي أكبر جرما وأتقن جسما وأعظم زينة وأكثر منافع بما لا يقايس في أقل من مدة خلق الأرض أن خلقها في تلك المدة ليس للعجز عن إيجادها في أقل من اللمح, بل لحكم تعجز عن حملها العقول ولعل تخصيص السماء بقصر المدة دون العكس لإجراء أمرها على ما نتعارفه من أن بناء السقف أخف من بناء البيت، تنبيها على أنه بنى أمر دارنا هذه على الأسباب تعليما للتأني وتدريبا على السكينة والبعد من العجلة. هـ.
ونقل بعض ذلك الخطيب الشربيني في تفسير السراج المنير.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: إنما كانت مدة خلق السماوات السبع أقصر من مدة خلق الأرض مع أن عوالم السماوات أعظم وأكثر لأن الله خلق السماوات بكيفية أسرع، فلعل خلق السماوات كان بانفصال بعضها عن بعض وتفرقع أحجامها بعضها عن خروج بعض آخر منه وأما خلق الأرض فالأشبه أنه بطريقة التولد المبطئ، لأنها تكونت من العناصر الطبيعية فكان تولد بعضها عن بعض أيضا.هـ.
ولعل من المناسب أيضا هنا أن نذكر بأولية خلق الأرض، فقد قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {البقرة : 29}.
قال ابن كثير: في هذا دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولا ثم خلق السماوات سبعًا، وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك، وقد صرح المفسرون بذلك، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعاً بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض. هـ.
ثم ننبه السائل الكريم على أمرين: الأول: يتعلق بقوله عن الأرض: هي أيضا جزء من السماء كسائر الكواكب ـ فهذا ليس بصحيح لا في لغة العرب، ولا في الاستعمال القرآني ولو صح ذلك فلا إشكال أيضا، ويكون ذلك من عطف الخاص على العام، للاهتمام به وإعلاء قدره وإظهار شأنه، كقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ {الأحزاب: 7}.
وقوله: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ {البقرة: 98}.
والثاني: يتعلق بقوله: لماذا النص القرآني يشعرنا أن الأرض والسماء متقاربان في الحجم؟.
فهذا ليس بصحيح، وليس هناك في اقتران ذكر السماء بالأرض ما تفهم منه المقارنة بين حجميهما أصلا.
والله أعلم.
السبب في حفظ الله تعالى للقرآن دون بقية الكتب
السؤال :
لماذا حفظ الله عز وجل القرآن الكريم ولم يحفظ الإنجيل أو التوراة؟
الاجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن النبي صلى الله عليه واله وسلم هو خاتم الرسل، والقرآن هو خاتم الكتب، ومن ثم فلا جرم في تكفل الله بحفظ هذا الكتاب؛ إذ هو آية صدق نبينا صلى الله عليه واله وسلم، وأعظم شاهد على صحة نبوته ولا غرابة في ذلك، قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ. {العنكبوت51}. وليكون حجة على المعاندين إلى قيام الساعة، ومحجة للسالكين على طريق الاستقامة والفلاح، وحفظ الله لكتابه من رحمته الواسعة التي شمل بها هذه الأمة فإنه تكفل هو بنفسه بحفظ القرآن، ووكل حفظ الكتب السابقة للأحبار والرهبان، فقصروا وخانوا الأمانة، ومن ثم تطرق إليها التبديل والزيادة والنقصان، كما قال تعالى عنهم: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. {المائدة: 44}.
قال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله عند تفسير هذه الآية: ومن لطائف القاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد ما حكاه عياض في المدارك عن أبي الحسن ابن المنتاب قال : كنت عند إسماعيل يوما فسئل : لم جاز التبديل على أهل التوراة ولم يجز على أهل القرآن فقال : لأن الله تعالى قال في أهل التوراة: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. فوكل الحفظ إليهم . وقال في القرآن: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. {الحجر:9} . فتعهد الله بحفظه فلم يجز التبديل على أهل القرآن . قال : فذكرت ذلك للمحاملي فقال : لا أحسن من هذا الكلام. انتهى. وقال عند قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . مبينا بعض الحكم في حفظ القرآن دون غيره من الكتب: وفي هذا مع التنويه بشأن القرآن إغاظة للمشركين بأن أمر هذا الدين سيتم وينتشر القرآن ويبقى على مر الأزمان . وهذا من التحدي ليكون هذا الكلام كالدليل على أن القرآن منزل من عند الله آية على صدق الرسول صلى الله عليه واله و سلم؛ لأنه لو كان من قول البشر أو لم يكن آية لتطرقت إليه الزيادة والنقصان ولاشتمل على الاختلاف قال تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. {النساء: 82}. انتهى.
فبعد هذا البيان الواضح لا يبقى عند المؤمن شك في الحكمة العظيمة التي اقتضت تخصيص القرآن بالحفظ دون سائر الكتب.
والله أعلم.
الرد على شبهة متعلقة بقوله تعالى: للبث في بطنه إلى يوم يبعثون
السؤال :
كيف تقول هذه الآية عن سيدنا يونس عليه السلام: للبث في بطنه إلى يوم يبعثون، أليس سيدنا يونس سيموت أو الحوت؟
الاجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المراد بالآية أنه يكون بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة، كذا قال القرطبي في التفسير.
وأما الإشكال الذي ذكر السائل فقد أجاب عليه الشيخ الشعرواي: قد وجدت شبهة في قصة يونس فكيف يلبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون مع أن يونس سيموت وسيأتي أجل الحوت ويموت هو أيضاً أم أن الحوت سيظل إلى يوم القيامة يحمل يونس في بطنه؟ وفات هؤلاء نظرية الاحتواء في المزيجات كما لو أذبت قالباً من السكر في كوب ماء فسوف تحتوي جزئيات الماء جزئيات السكر والأكثر يحتوي الأقل.. فلو مات الحوت ومات في بطنه يونس عليه السلام وتفاعلت ذراتهما وتداخلت فقد احتوى الحوت يونس إلى أن تقوم الساعة، وعلى هذا يظل المعنى صحيحاً فهو في بطنه رغم تناثر ذراتهما. انتهى.
والله أعلم
استحالة معارضة القرآن بالحكايات التاريخية
السؤال :
وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا.
السؤال : ماذا يعني استبدال زوج مكان زوج، كيف يكون هذا، وعلاقة الزواج علاقة طاهرة، الله يصادق عليها، وهو يبدل كما يشاء ومسموح به في كتاب ديني. لماذا لم يسمح بهذا التعليم من قبل ؟ وهل الله يغير رأيه ؟
– سورة النساء 82 أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .
السؤال : هنا القرآن يضع مادة للتساؤل هل فعلا يوجد اختلاف فيه ؟ هل هو يجاوب على كلام أناس قالوا إن فيه اختلافا ؟ فماذا يقول عن خلطه بين مريم أخت هارون وبين مريم أم المسيح ؟ ماذا يقول عن كلامه : يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي. وأيضا قوله: فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم مع قوله: وما قتلوه وما صلبوه . أليس هذا اختلاف في موضوع موت المسيح ؟
وماذا عن قوله عن المسيح : وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. في آل عمران 55
وأيضا يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين. في البقرة 122 . مع قوله في آل عمران 85 ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين .
ماذا عن تقديم إسحق كذبيحة وقوله وفديناه بذبح عظيم. في سورة الصافات 107 مع قولكم إن المقدم هو إسماعيل ؟ وماذا عن تنجية امرأة نوح من الطوفان مع عائلتها في سورة الأعراف 64 وموتها في سورة التحريم 10 عندما جعلها مثلا مع امرأة لوط؟ وإذا كان نجا مع أهله في الأعراف 64 كيف يقول في هود 42 – 43 أن ابنه مات في الطوفان ؟ ومن هو الابن الذي مات ؟ (بعضهم يقول أنه الابن الرابع لنوح؟؟؟ ).
ماذا يقول عن اختلافه مع الواقع والتاريخ : مثلا عدم تكلم زكريا 9 أشهر وهو جعلها 3 أيام . وأيضا الضربات العشرة في مصر على يد موسى هو جعلها 9 , وأيضا في الأعراف 133 حيث يقول فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم . وبالحقيقة لم يرسل الطوفان والقمل على مصر . وأيضا عن قتل الصبيان واستحياء البنات بعد دعوة موسى لفرعون بالحق في سورة غافر 25 , وفي الحقيقة أن هذا الأمر قد صدر قبل ولادة موسى من أجل هذا رمته أمه في الماء وليس بعدما جاءهم موسى بالحق . أليس تحويل الناس إلى قردة في الأعراف 166 خطأ فادح يختلف مع واقع خلق الله الإنسان ومحبته له ؟ – سورة النساء 136 ؟
الاجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المقصود من الاستبدال في الآية الكريمة هو التطليق للسابقة والتزوج من أخرى، كما بين ذلك أهل التفسير. قال البيضاوي في تفسيره: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، تطليق امرأة وتزويج أخرى. وقال فيه صاحب الدر المنثور: إن كرهت امرأتك وأعجبتك غيرها فطلقت هذه وتزوجت تلك ...
ولما كان الطلاق في بعض الأحيان سببه إرادة التزوج من امرأة أخرى ناسب هذا التعبير بالاستبدال، ونهى الأزواج عن اضطرار الزوجة وتلجئتها إلى الافتداء بما أعطيت من صداق. قال ابن عاشور في تفسيره: إن لم يكن سبب للفراق إلا إرادة استبدال زوج بأخرى، فيلجئ التي يريد فراقها حتى تخالعه ليجد مالا يعطيه مهرا للتي رغب فيها، نهى عن أن يأخذوا شيئا مما أعطوه أزواجهم من مهر وغيره.
ثم إنه إذا حصل الخلاف بين الزوجين، ولم يمكن الإصلاح بينهما فإن من محاسن الإسلام في هذه الحالة إباحة الطلاق، وقد يرزق الله كلا منهما خيرا من صاحبه، قال الله تعالى: وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}.
والطلاق مشروع عند اليهود كما قال صاحب موسوعة اليهود واليهودية : ولا تُحرِّم اليهودية الطلاق، ولكن لا يمكن للمطلقة الزواج إلا بعد الحصول على شهادة الجيط، أي القسيمة الشرعية للطلاق التي لا تَصدُر إلا بعد أن تتأكد المحكمة الحاخامية من أن المرأة قد طلقها زوجها فعلاً. اهـ. وقد كان معروفا عند العرب قبل الإسلام.
واعلم أن القرآن ليس فيه تناقض ولا اختلاف، لأن القرآن منزل من حكيم حميد خبير، وما قد يبدو للناظر القصير النظر من تعارض، إنما هو بحسب فهمه هو، لا أن الكتاب مختلف على الحقيقة، فالله يقول: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82}
وهذه المسائل المذكورة في السؤال لا إشكال فيها فالكلام على نفي موت عيسى فصلناه في جواب السؤال رقم: 120643، كما تقدم الكلام عن قوله يا أخت هارون وعن نجاة امرأة نوح وعن ابنه وعن الذبيح في الفتوى رقم: 41214 والفتوى رقم: 17643 والفتوى رقم: 47237 ، والفتوى رقم: 112167 .
وأما قوله تعالى: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {البقرة:47} فهذا التفضيل نعمة من الله على بني إسرائيل حيث فضلهم على العالمين في زمانهم الأول حيث كان فيهم من الأنبياء في تلك الفترة والدعاة والمصلحين، ما لم يوجد في غيرهم من الأمم.
ولكن الله قد أخذ عليهم العهد بواسطة أنبيائهم إذا بعث نبي آخر الزمان أن يؤمنوا به ويتبعوه، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ {آل عمران: 81}
وقد ختم الله الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونسخ بشريعته كل الشرائع، وجعلها باقية إلى يوم القيامة، وأرسله بها إلى الناس كافة لا يقبل الله من أحد بعد مبعثه دينا غير الإسلام ، ولا يقبل إيمانا ببعض الرسل دون بعض؛ كما قال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85}. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً {النساء: 47} وقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاًأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا {النساء: 150،151} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم.
وأما معارضة القرآن بالحكايات التاريخية فلا يقول به من له عقل، فإن القرآن كلام الله تعالى العليم الخبير وهو سبحانه أدرى بحال الناس الذين تحدث القرآن عنهم، ولا يخفى عليه شيء من حالهم، وهو بكل شيء عليم، يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، فكل ما جاء في القرآن من أخبار أو نقل عن السابقين أو اللاحقين من أقوال فإنه حق وصدق لا تبديل فيه ولا تحريف ولا زيادة ولا نقص؛ كما قال الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا {النساء:87}. وقال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً {النساء:122} وأما المؤرخون فإنما يعتمدون على روايات أحسنها ما كان مأخوذا من التوراة والإنجيل المحرفين ومنها ما هو مأخوذ من روايات لا سند لها ولا يوثق بصحتها.
والله أعلم.
الوحي والحقائق العلمية
السؤال :
كيف يمكن للمسلم أن يحافظ علي إيمانه بدينه و نبيه في هذا العصر الذي ظهرت فيه بعض الحقائق العلمية التي تناقض بعض ما جاء بالقرآن الكريم؟
مثلا: أصبح الإنسان قادرا علي أن يعلم ما في الأرحام.
أرجوكم لا تقولوا لي إن علم ما في الأرحام هو شقي أم سعيد، غني أم فقير، .إلخ، فالآية واضحة تماما، ما في الأرحام، وليس بعد أن يخرج الإنسان من رحم أمه.
مثال آخر: هو اكتشاف حفريات لما يعرف بـأشباه البشر وهي السلالات التي تطور منها الإنسان الحالي و أشهرها إنسان نيندرتال بما يناقض نظرية خلق آدم و حواء خلقا مباشرا.
المثال الأخير: هو كون الإنسان يخلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب و الترائب، حيث كانت هناك نظرية يونانية قديمة تقول بأن المني يخرج من الظهر -مكان الكليتين- و لكن المعروف علميا أن المني يخرج من الخصيتين؟
أرجو أن تتحملوا أسئلتي الثقيلة و لكم جزيل الشكر؟
الاجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية ينبغي أن نقرر هنا حقيقة أن الوحي معصوم وأنه حق محض، وأن النظريات الحديثة هي التي تعرض عليه وليس العكس، وأنه لا تعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول، فالوحي لا يتعارض بحال مع الحقائق العلمية الثابتة،
وثانيا: ينبغي أن نفرق بين فهمنا لنصوص الوحي وبين دلالتها الصحيحة، فقد يفهم الإنسان ما ليس مرادا، فيكون الخطأ في فهمه وليس في النص.
ومن هذا فهم السائل الكريم للآيات التي أوردها، فقوله تعالى: وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ {لقمان:34}. ظاهر في أن الله تعالى هو الذي يعلم علما مطلقا حقيقة ما في الأرحام في كل لحظة وفي كل طور، من فيض وغيض وحمل حتى في حين لا يكون للحمل حجم ولا جرم، وهو وحده الذي يعلم ما هو مودع في تلك النطفة في ظلمات الرحم من مواهب وطاقات، فذلك العلم الدقيق الشامل لما في كل رحم من الأرحام هو مما يختص الله بعلمه سبحانه، فالأمر لا ينحصر في الذكورة والأنوثة ولا حتى في ملامح الجنين، ولا في موعد ولادته، بل الأمر يتعدى ذلك بكثير.
وفي مايتعلق بنوع الجنين ذكورة وأنوثة، فقد ثبت مع تقدم الطب في علمه وآلاته أن الحالة التي يمكن فيها معرفة نوع الجنين هي حالة الازدياد، لأن النطفة تمر بمرحلتين: مرحلة الغيض، ومرحلة الازدياد، قال تعالى: اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ {الرعد:8}
والذي اختص الله بعلمه هو حالة النطفة في مرحلة الغيض، ودليل ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفاتيح الغيب خمسة، لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله.
فالمحجوب تماما عن علم غير الله هو الغيض، كما سبق بيانه في الفتويين: 36924 ، 3197 .
وكذلك مسألة خلق الإنسان من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، لا تعارض فيه بين دلالة القرآن والعلم الحديث، بل هذه الآية تحمل وجها واضحا من وجوه الإعجاز العلمي في القرآن، وقد سبق لنا بيان ذلك من خلال كلام الدكتور على البار، وذلك في الفتوى رقم: 38118 .
وأما بالنسبة للحفريات التي ذكرها السائل فما هي إلا بعض الخدع التي صنعها التطوريون ليضلوا بها العامة، والتي منها: الإنسان القرد وهو في الحقيقة مجرد رسم لتخيلات من صنع أصحاب نظرية التطور.
كما يقوم أصحاب هذه النظرية بإنتاج حفريات لا يمكنهم العثور عليها، ويعملون على خداع الناس بها، وأشهر هذه التزويرات: إنسان بلثدون، وإنسان نبراسكا ذكر ذلك الأستاذ هارون يحي ثم قال: الحفرية التي تم العثور عليها لإنسان في إسبانيا عام 1995 تدمر تماما رواية تطور الإنسان، والجمجمة التي يبلغ عمرها 800.000عام والتي اكتشفت في منطقة أتابيرسا ترجع إلى الحقبة التي ظهر فيها نصف القرد نصف الإنسان حسب ما يدعى أصحاب نظرية التطور، ولا يوجد فرق بينه وبين الإنسان الحديث. هذا يعني أنه لا فرق بين الإنسان الذي عاش 800.000عام وبين الإنسان الذي يعيش في الوقت الحالي.
تم نشر مقال في مجلة نيو ساينتست بتاريخ 14/3/1998 بعنوان: الإنسان القديم كان أكثر ذكاء مما توقعنا، وهذا يخبرنا بأن الناس المدعوين: هومو أريكتس من قبل أصحاب نظرية التطور كانوا يمارسون نشاطا في البحر للصيد قبل 700 ألف عام، وهؤلاء البشر الذين كانوا يملكون علما كافيا وتكنولجيا لبناء القوارب، ويمتلكون الثقافة التي مكنتهم من استخدام المواصلات في البحر، من الصعوبة أن تطلق عليهم صفة بدائيين. انتهى .
وننصح السائل الكريم بقراءة كتابات الكاتب المعروف هارون يحي في تفنيده لنظرية التطور.
واعلم أن هذه الأسئلة إنما يتحمل وزرها ويجد ثقلها من اعتقدها إن مات على ذلك، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ{الشعراء227}
والله أعلم
جواب شبهة حول قوله تعالى (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)
السؤال :
ذكر الله تعالى أنه من فعل مثقال ذرة شرا يره. هل يعني أن الله لن يغفر لنا ذنوبنا حتى إن تبنا وندمنا؟
الاجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن قبول التوبة المستجمعة لشروطها أمر مقطوع به، وهي موجبة لمغفرة الذنوب جميعا بفضل الله ورحمته، وقد وعد الله تعالى من يقترف أكبر الكبائر كالشرك والقتل والزنا، بأن يبدل سيئاتهم حسنات، إن هم تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان: 68-71}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ. رواه مسلم. وقد سبق بيان أن التوبة النصوح تمحو أثر كل الذنوب في الفتوى رقم: 16907 .
أما علاقة قبول التوبة ومغفرة الذنوب بقوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ {الزلزلة:8}، فقال العلامة الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب): هذه الآية الكريمة تقتضي أن كل إنسان كافرا أو مسلما يجازى بالقليل من الخير والشر، وقد جاءت آيات أخر تدل على خلاف هذا العموم ... أمّا ما عمله المسلم من الشر فقد صرّحت الآيات بعدم لزوم مؤاخذته به لاحتمال المغفرة أو لوعد الله بها، كقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وقوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُم} إلى غير ذلك من الآيات، والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الآية من العام المخصوص، والمعنى: ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره إن لم يغفره الله له، بدليل آيات احتمال الغفران والوعد به.
الثاني: أنّ الآية على عمومها، وأنّ المؤمن يرى جزاء كل عمله السيئ في الدنيا بالمصائب والأمراض والآلام، ويدل لهذا ما أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وابن أبي حاتم وجماعة عن أنس قال: بينا أبو بكر رضي الله عنه يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الآية فرفع أبو بكر يده وقال: يا رسول الله إني لراء ما عملت من مثقال ذرة من شر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر. الحديث.
الوجه الثالث: أن الآية أيضاً على عمومها وأن معناها أن المؤمن يرى كل ما قدم من خير وشر فيغفر الله له الشر ويثيبه بالخير اهـ.
والله أعلم.
جواب شبهة حول نكاح الكتابيات دون سائر الكافرات
السؤال :
ما الحكمة من تمكين المسلم من الزواج بمسلمة أو مسيحية أو يهودية، وعدم تمكينه من الزواج من بوذية أو أي ديانة أخرى، علما بأن مسيحيي ويهود هذا الزمان هم مشركون مثل البوذيون، فهل يعتبر هذا إزدراء من الإسلام لباقي الديانات غير السماوية؟ وشكراً
الاجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنما أذن الله في نكاح الكتابيات دون سائر الكافرات لأنهن أقل ضرراً ولاشتراكهن مع المسلمين في أصول الديانة وكثير من الأحكام الشرعية، ولا يمكن التسوية بين ديانة سماوية وأحكام وضعية أرضية يغلب عليها الهوى والتشهي، وما وقع فيه اليهود والنصارى من الشرك ليس حديثاً بل نزل القرآن وهم عليه كما أخبر عنهم في قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ {التوبة:30}، ومع ذلك أباح نكاح نسائهم العفيفات مراعاة لأصل الديانة ولما تشترك فيه مع الإسلام من الأحكام الشرعية فهي أقرب من غيرها من الديانات الوضعية، علماً بأن هناك حكما عديدة ربما يعوزنا الاطلاع على حكمها ولكن المؤمن يعلم بأنه ما شرع الله عز وجل لعباده أمراً وأباحه لهم إلا فيه مصلحة وخير، وما منعهم من أمر وحرمه عليهم إلا وفيه شر لهم سواء علموا ذلك أم جهلوه..
والله أعلم.