الأشوريون
استوطن الآشوريون القسم الشمالي من العراق الذي عرف في النصوص المسمارية بـ"بلاد أشور". وهو كبقية أقسام العراق شهد حياة إنسان العصر الحجري القديم في وقت مبكر قبل قسمه الجنوبي، ونشأت أيضاً القرى الزراعية في العصر الحجري الحديث، غير أن طبيعة المنطقة في مناخها وتضاريسها ساعدت على بقاء الجماعات البشرية مبعثرة وظهر اثر التطور الحضاري في جنوب العراق واضحاً في بلاد اشور خصوصاً بعد ما أصبحوا جزءاً منها سياسياً وثقافياً منذ زمن لوكالة زاكيزي وسرجون الاكدي. وواجهت بلاد أشور الأخطار التي واجهها السومريون والاكديون وانضوت المنطقة ثانية في الوحدة التي حققها حمورابي، واسهم عنف التحديات المحيطة ببلاد أشور من الشمال والشرق في خلق مجتمع يعلق أهمية على الروح الحربية التي منحت المجتمع قادة عسكريين عظاماً في فترة بروز الاشوريين (1521-911 ق.م) احدى القوى الرئيسة في المنطقة إلى جانب الكشيين والمصريين بعد سقوط بابل دون ان ينسوا دورهم في توحيد بلاد وادي الرافدين والدفاع عنها من القوى المحتلة او التي تسعى إلى احتلالها، وقد عززت هذه الوحدة التمازج البشري في العراق وعممت المبتكرات الحضارية.
وفي الحقبة اللاحقة (911-612 ق.م) ازدهر تاريخ الآشوريين السياسي والثقافي والاقتصادي وظهرت علي مسرح الأحداث أول إمبراطورية عندما نجح الاشوريون في ضم معظم أقاليم الشرق الأدنى القديم، إمبراطورية اشتهرت بإبداعها الحضاري وشهدت تطور المدن الاشورية من مثل اشور ونينوى وكالح (نمرود) ودور شروكين 0خرسباد) بقصورها وزقوراتها واسوارها وما حوت من قطع فنية رائعة فضلاً عن الاعمال العسكرية والثقافية ولا سيما تلك التي حوتها مكتبة اشور بانيبال وكانت سجلاً للحياة العراقية القديمة. لقد نجح الاشوريون في قيادة العراق في عصر القوى الخارجية الطامعة كالكيشيين والحثيين والميتانيين إلى جانب الدولة المصرية. غير ان هذا الوضع لم يستمر، فهذه القوى بدأت تختفي عن مسرح الاحداث منذ مطلع الالف الأول ق.م وبدأت منطقة الشرق الادنى القديم تشهد تغيراً في الخريطة البشرية ترتب عليه تغير في القوى السياسية الفاعلة في المنطقة. فعلى المستوى الداخلي بدأت موجات الاراميين تضغط على الحدود الغربية منطلقة من دويلاتها المتعددة في بلاد الشام إلى جانب انتشار القبائل الكلدية في جنوب العراق وتأسيسها سلالات محلية كانت تطمح في السيطرة على بابل. أما على المستوى الخارجي فقد ازدادت حوادث القبائل الجبلية على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية من خلال دولها في اوراتو وميديا، وكانت عيلام في غربي إيران تمارس تحريضها في ذات الوقت الذي كان فيه اليهود في فلسطين يمارسون الشغب على الدولة الاشورية مستغلين تنافسها مع الدولة المصرية.
تكشف وثائق العصر الاشوري الحديث عن نشاط عسكري كان غرضه تأمين حدود الدولة والقضاء على معارضيها كما تكشف، في الوقت نفسه، عن نشاط حضاري ثقافي واداري وسياسي واقتصادي واسع النطاق قاده ملوك عظام غير ان الفترة المتأخرة بعد حكم اشور بانيبال تبدو غامضة في المصادر الاشورية، والراجح انها شهدت ملوكاً ضعفاء على المستوى الداخلي ومؤامرات واسعة محلية ومتغيرات حادة في الاوضاع الخارجية في الوقت الذي ظهر فيه زعيم كلدي قوي هو نابو-بولاصر الذي نصب نفسه ملكاً على بابل سنة 626 ق.م وبسط نفوذه على العراق بما فيه الدولة الاشورية.
من مصادر تاريخية
khaboraya