باب
في علل الحج والمناسك(1)
سؤال : لماذا أمر اللّه تعالى بالحج ؟
جواب : من أجل الوفادة إلى اللّه عزّوجلّ ، وطلب الزيادة ، والفوائد المادية والمعنوية التي تترتب عليه مثل :
إخراج الأموال ، وتعب الأبدان ، والاشتغال عن الأهل والولد ، وخطر النفس عن اللذات ، والرغبة إلى اللّه والرهبة منه ، وترك قساوة القلب ، وخساسة الأنفس ، إلى غير ذلك من المنافع لجميع الناس من في البر والبحر ، ممن يحج وممن لم يحج ، من التاجر والبائع والمشتري ، والكاسب ، والفقير والمسكين ... .
سؤال : لماذا أمر اللّه عزّوجل بالتمتع في الحج ؟
جواب : ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ، لأن يسلم الناس في إحرامهم ، ولا يطول ذلك عليهم ، فيدخل عليهم الفساد .
سؤال : لماذا جعل اللّه تعالى وقت الحج العاشر من ذي الحجة ، ولم يقدم ولم يؤخر ؟
جواب : لقد أراد اللّه عزّوجل أن يعبد بهذه العبادة في هذا التاريخ ، وفي أيام التشريق ، وكانت أول ما حجّت للّه الملائكة ، وطافت حول البيت في
(1) علل ج2 ، باب 132 ـ 536 .
(82)
هذا الوقت ، فجعله سنة ووقتا إلى يوم القيامة ، وكذلك حجّ الأنبياء والأوصياء صلوات اللّه عليهم وغيرهم من الصلحاء ، انّما حجوا في هذا الوقت ، فجعلت سنة في أولادهم إلى يوم الّدين .
سؤال : لماذا أُمر الحاج بلبس الإحرام ؟
جواب : من أجل أن يخشعوا قبل دخولهم حرم اللّه وأمنه ، ولئلاّ يلهوا ويشتغلوا بشيء في اُمور الدنيا وزينتها ولذّاتها ، ويكونوا صابرين فيما هم فيه ، هذا مع ما فيه من التعظيم للّه عزّوجلّ ، ولبيته ، والتذلل لأنفسهم عند قصدهم إلى اللّه تعالى ، ومقبلين على اللّه بالذل والاستكانه والخضوع والخشوع .
سؤال : لماذا أمر اللّه عزّوجلّ بحجة واحدة لا أكثر من ذلك ؟
جواب : لأن اللّه تبارك وتعالى وضع الفرائض على أذى القوم قوة ، فكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا .
سؤال : من هو أول من ركب الخيل ؟ ولماذا سمّيت بالخيل العراب ؟
جواب : أول من ركب الخيل إسماعيل عليهالسلام ، وكانت وحشية لا تركب ، فسخّرها اللّه تعالى لإسماعيل عليهالسلام من جبل منى ، وإنما سمّيت الخيل العراب لأن أول من ركبها إسماعيل عليهالسلام (1) .
سؤال : ما هي العلّة التي من أجلها وضع البيت الحرام وسط الأرض ؟
جواب : لأنه الموضع الّذي من تحته دحيت الأرض .
(1) علل : باب 131 حديث 5 .
(83)
وكل ريح تهب في الدنيا فإنها تخرج من تحت الركن الشامي ، وهي أول بقعة وضعت في الأرض ، لأنها الوسط ، ليكون الفرض لأهل المشرق والمغرب سواء .
سؤال : لماذا سمّيت مكة مكة ؟
جواب : سمّيت مكة مكة لأن الناس كانوا يمكون فيها ، وكان يقال لمن قصدها : قدمكا وذلك قول اللّه عزّوجلّ : «وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً»(1) ، فالمكاء : التصفير ، والتصدية ، صفق اليدين .
وقيل ايضا : بانّما سمّيت مكة مكة لأنّ الناس يتباكّون فيها .
سؤال : لماذا سمّيت الكعبة مكة ؟
جواب : لبكاء الناس حولها وفيها .
وقيل : موضع البيت بكة والقرية مكة .
سؤال : لماذا سمّيت الكعبة كعبة ؟
جواب : لأنها وسط الدنيا .
روي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنه سُئِل : لم سمّيت الكعبة كعبة ؟ قال : لأنها مربعة ، فقيل له : ولم صارت مربعة ؟ قال : لأنها بحذاء البيت المعمور وهو مربع ، فقيل له : ولم صار البيت المعمور مربعا ؟ قال : لأنه بحذاء العرش وهو مربع ، فقيل له : ولم صار العرش مربعا ؟ قال :
(1) الأنفال : 35 .
(84)
لأن الكلمات التي بُني عليها الإسلام أربع ، وهي : « سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر » .
سؤال : لماذا سمّي بيت اللّه الحرام ؟
جواب : لأنّه حرم على المشركين أن يدخلوه .
سؤال : لماذا سمّي البيت العتيق ؟
جواب : لأنه أعتق من الغرق ، ولأنه بيت حرّ عتيق من النّاس ، ولم يملكه أحد .
إن اللّه عزّوجلّ أغرق الأرض كلها عند ما دعا نبيّ اللّه نوح على قومه ، ولم يغرق البيت الحرام ، فيومئذ سمّي العتيق لأنه أعتق من الغرق ... .
سؤال : لماذا سمّي الحطيم حطيما ؟
جواب : الحطيم هو ما بين الحجر الأسود وباب البيت ، وسمّي حطيما : لأن الناس يحطم بعظهم بعضا هنا لك .
سؤال : ما هي علّة وجوب الحج وجميع المناسك ؟
جواب : قال الصادق عليهالسلام : هذا بيت استعبد اللّه تعالى به خلقه ليختبر به طاعتهم في إتيانه ، فحثهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محل أنبيائه وقبلة المصلين له ، فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه ...
« وهناك عللّ كثيرة وأسرار حكيمة في مناسك الحج وأحكامه ، أوجبها اللّه على عباده من استطاع إليه سبيلاً ، لتزكية النفس وتهذيبها وتطهيرها من الذنوب وستر العيوب وقبول التوبة ، وطريق يؤدي إلى
(85)
غفرانه تعالى » .
سؤال : ما هي العلّة التي من أجلها صار الطواف سبعة اشواط ؟
جواب : لمّآ أراد اللّه تبارك وتعالى أن يخلق آدم عليهالسلام قال للملائكة : «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً» ، فردوا على اللّه تبارك وتعالى وقالوا : «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء» ؟ قال اللّه : «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ»(1)وكان لا يحجبهم عن نوره ، فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام ، فلا ذوا بالعرش سبعة آلاف سنة ، فرحمهم وتاب عليهم ، وجعل لهم البيت المعمور الذي في السماء الرابعة ... فصار الطواف سبعة أشواط واجبا على العباد لكل ألف سنة شوطا واحدا(2) .
سؤال : العلّة التي من أجلها لم يتمتع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالعمرة إلى الحج وأمر بالتمتع ؟
جواب : عند ما حج رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حَجّة الوداع فلما فرغ من السعي ، قام عند المروة فخطب الناس ، فحمد اللّه واثنى عليه ، ثم قال : يا معشر الناس هذا جبرئيل ، واشار بيده إلى خلفه ، يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحل ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ، ولكني سقت الهدي وليس لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فقام إليه سراقة بن مالك بن جشعم الكناني فقال : يا
(1) البقرة : 30 .
(2) علل : باب 143 ص548 .
(86)
رسول اللّه علمنا ديننا فكأنا خلقنا اليوم ، أرأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا أم لكل عام ؟ فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ، بل للأبد ، وإن رجلاً قام فقال :
يا رسول اللّه نخرج حجّاجا ورؤوسنا تقطر من النساء ؟ فقال له رسول اللّه : إنك لن تؤمن بها أبدا ... .
قال بن عباس رحمهالله : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة(1) .
« أي أصبحت العمرة واجبة قبل الحج ، وعلى هذا نرى الحج ينقسم إلى قسمين : عمرة التمتع وحج التمتع » .
سؤال : لماذا سمّي الحجّ حجا ؟
جواب : الحج بمعنى الفلاح ، وعند ما نقول : حجّ فلان أي أفلح فلان .
سؤال : العلّة التي من أجلها يعذب ماء زمزم في وقت دون وقت ؟
جواب : تجري إليها عين من تحت الحجر ، فإذا غلب ماء العين عذب ماء زمزم .
سؤال : علّة تحريم المسجد والحرم ووجوب الإحرام ؟
جواب : عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال : إن اللّه تبارك وتعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا .
وقال عليهالسلام أيضا : كانت بنو إسرائيل إذا قربت القربان تخرج نار فتأكل
(1) علل : باب 153 .
(87)
قربان مَن قُبل منه ، وأن اللّه تبارك وتعالى جعل الإحرام مكان القربان .
سؤال : علّة التلبية ؟
جواب : ... إنّ اللّه عزّوجلّ أوحى إلى إبراهيم عليهالسلام : «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً»(1) فنادى ، فأجيب من كل فج عميق يلبون ـ « لبيك اللَّهم لبيك ... » .
أيضا : سُئل أبو الحسن عليهالسلام ، عن التلبية وعلتها ، فقال : إنّ الناس إذا أحرموا ناداهم اللّه تعالى ذكره فقال :
عبادي وإمائي لأحرِّمنكم على النار كما أحرَمتم لي ، فيقولون : لبيك اللهم لبيك ، إجابة للّه عزّوجلّ على ندائه إياهم .
سؤال : ما هي العلّة التي من أجلها يكون في الناس من يحج حجة واحدة ، وفيهم من يحج حجتين أو أكثر ، وفيهم من لا يحج أبدا ؟
جواب : لما أمر اللّه عزّوجلّ إبراهيم وإسماعيل عليهمالسلام ببنيان البيت وتم بناؤه ، أمره أن يصعد ركنا « من اركان الكعبة » ثم ينادي في الناس : ألا هلم الحج ، هلم الحج ، فلو نادى هلموا إلى الحج لم يحج إلاّ من كان يومئذ إنسيا مخلوقا ، ولكنه نادى ، هلم الحج ، فلبى الناس في أصلاب الرجال : لبيك داعي اللّه ، لبيك داعي اللّه . فمن لبى عشرا حج عشرا ، ومن لبى خمسا حج خمسا ، ومن لبى عشراً حج عشراً ، ومن لم يلب
(1) الحج : 27 .
(88)
لم يحج ... .
ايضا : عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : إن اللّه جلّ جلاله لما أمر إبراهيم عليهالسلام ينادي في الناس بالحج ، قام على المقام فارتفع به حتى صار بإزاء أبي قبيس ، فنادى في الناس بالحج ، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى أن تقوم الساعة .
أيضا : ... من لم يكتب له في ليلة القدر « ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان » اليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم لم يحج تلك السنة ، لأن فيها يكتب وفد الحاج ، وفيها تكتب الأرزاق والاجال ، وما يكون من السنة إلى السنة ...(1) .
سؤال : ما هي العلّة التي من أجلها رسمت حدود الحرم بمقدار ما عليه الآن ؟
جواب : عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : إن اللّه تعالى لما أهبط آدم من الجنة أهبطه على أبي قبيس ، فشكا إلى ربه عزّوجل الوحشة ، وأنه لا يسمع ما كان يسمع في الجنة ، فأهبط اللّه تعالى عليه ياقوتة حمراء فوضعها في موضع البيت فكان يطوف بها آدم عليهالسلام ، وكان ضوؤها يبلغ موضع الأعلام ، فعلّمت الأعلام على ضوئها ، فجعله اللّه عزّوجلّ حرما .
سؤال : علّة تأثير قدمي إبراهيم عليهالسلام في المقام ، وعلّة تحويل المقام من
(1) علل : باب 158 ص564 .
(89)
مكانه إلى حيث هو الساعة ؟
جواب : روي عن أبي عبد اللّه عليهالسلام انّة قال : لما أوصى اللّه تعالى إلى إبراهيم عليهالسلام أن أذن في الناس بالحج صعد على الحجر الذي كان لاصقا بالبيت ، « وهو المقام الّذي هو عليه الآن » ثم قام عليه فنادى بأعلى صوته بما أمره اللّه تعالى به ، فلما تكلم بالكلام لم يحتمله الحجر فغرقت رجلاه فيه ، فقلع إبراهيم عليهالسلام رجليه من الحجر قلعا ، فلما كثر الناس حول المقام وازدحموا عليه ، فرأوا أن يضعوه في هذا الموضع الّذي هو فيه اليوم ليخلو المطاف لمن يطوف بالبيت ، فلما بعث اللّه تعالى محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ردّه إلى الموضع الّذي وضعه فيه إبراهيم عليهالسلام ، فما زال حتى قبض رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفي زمن أبي بكر وأول ولايه عمر ، أمر أن يحمل المقام ووضعه في المحل الّذي هو فيه الساعة ...(1)
« هذا قول من عدة أقوال ذكرت في مسألة المقام وأثر قدمي إبراهيم عليهالسلام ، واللّه العالم » .
سؤال : ما هي علّة استلام الحجر الأسود ... ؟
جواب : قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ... طوفوا بالبيت واستلموا الركن ، فإنه يمين اللّه في أرضه يصافح بها خلقه مصافحة العبد أو الدخيل ، ويشهد لمن استلمه بالموافاة .
(1) علل الشرائع : ج2 ص568 .