باب في علل الأحكام
سؤال : علّة عدم نزول عذاب اللّه عزّوجل على أهل المعاصي ؟
جواب : عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّ اللّه عزّوجلّ إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي وفيها ثلاثة نفر من المؤمنين ، ناداهم جل جلاله ، وتقدست أسماؤه : يا أهل معصيتي ، لو لا فيكم من المؤمنين المتحابين بجلالي ، العامرين بصلاتهم أرضي ومساجدي ، والمستغفرين بالأسحار خوفا مني ، لأنزلت بكم عذابي ، ثم لا أبالي(1) .
« هذا هو أحد الأسباب المهمة التي لم ينزل اللّه عزّوجلّ عذابه على أهل المعاصي والذنوب في الدنيا ، ويؤخّر عذابهم وحسابهم إلى الآخرة » .
« وروي أيضا في حديث قدسي عن اللّه عزّوجلّ : « لو لا شيوخ ركّع ، وشباب خشّع ، وبهائم رتّع ، وأطفال رضّع ، لصببت عليكم العذاب صبا » .
سؤال : ما هي علل الشرائع وأصول الإسلام ؟
جواب : « عندما خلق اللّه عزّوجل الانسان ، أوجب عليه مجموعة من
(1) علل : باب180 .
(62)
الأحكام والأصول الاسلامية ، على المكلفين منهم من النساء والرجال ، وجعل لهذه الأحكام سببا وعلّةً نذكر البعض منها باختصار : »
فرض اللّه تبارك وتعالى الإيمان تطهيرا من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر ، والزكاة زيادة في الرزق ، والصيام تثبيتا للإخلاص ، والحج تسنية للدين ، والعدل تسكينا للقلوب ، والطاعة نظاما للملة ، والإمامة لمّا من الفرقة ، والجهاد عزا للإسلام ، والصبر معونة على الإستيجاب ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة ، وبر الوالدين وقاية من السخط ، وصلة الأرحام منماة(1) للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، والوفاء للنذر تعرضا للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخسة ، واجتناب قذف المحصنات حجبا عن اللعنة ، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة ، وأكل أموال اليتامى إجازة من الظلم ، والعدل في الاحكام ايناسا للرعبة ، وحرّم اللّه عزّوجلّ الشرك إخلاصا للربوبية ، ... فاتقوا اللّه حق تقاته فيما أمركم به ، وانتهوا عمّآ نهاكم عنه .
وقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ مثل هذا الدين كمثل شجرة ثابته ، الإيمان أصلها ، والصلاة عروقها ، والزكاة ماؤها ، والصوم سعفها ، وحسن الخُلق ورقها ، والكف عن المحارم ثمرها ، فلا تكمل شجرة إلاّ
(1) اي نمواً للعدد وكثرته .
(63)
بالثمر ، كذلك الإيمان لا يكمل إلاّ بالكف عن المحارم ... « فتأمل يا عزيزي القاريء في فلسفة هذه الأحكام التي مرّت عليك » والتي فرض اللّه عليكم الفرائض بمنّه ورحمته ، ولم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه ، بل رحمة منه إليكم ، لا إله الاّ هو ليميّز الخبيث من الطيب ، وليبتلي ما في صدوركم ، وليمحّص ما في قلوبكم ...(1)
سؤال : إلى كم سهم ينقسم الإسلام وما هي ؟
جواب : ينقسم الإسلام إلى عشرة أسهم ، وقد خاب من لا سهم له فيها وهي :
أولها : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وهي الكلمة ، والثانية : الصلاة وهي الطهر ، والثالثة الزكاة وهي الفطرة ، والرابعة : الصوم وهو الجنة ، والخامسة : الحج وهو الشريعة ، والسادسة : الجهاد وهو العز ، والسابعة : الأمر بالمعروف وهو الوفاء ، والثامنة : النهي عن المنكر وهو الحجة ، والتاسعة : الجماعة وهي الألفة ، والعاشرة : الطاعة وهي العصمة .
سؤال : ما هو حكم من يعمل الصالحات بغير معرفة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة الأطهار عليهمالسلام ؟
جواب : من زعم أنه يحل الحلال ويحرم الحرام بغير معرفة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يحل للّه حلالاً ، ولم يحرّم له حراما ، وإنّ من صلى وزكّى وحجَّ واعتمر وفعل ذلك كله بغير معرفة من افترض اللّه عليه طاعته فلم
(1) علل : ب182 ، ص330 .
(64)
يفعل شيئا من ذلك ، لم يصلِّ ولم يصم ولم يزكّ ولم يحج ولم يعتمر ... .
سؤال : ما هو تفسير قول : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر ؟
جواب : قول سبحانه اللّه : علم اللّه عزّوجلّ أن بني آدم يكذبون على اللّه عزّوجلّ ، فقال : سبحان اللّه براءة مما يقولون ، وأما قوله الحمد للّه : فإنه علم أن العباد لا يؤدون شكر نعمته ، فحمد نفسه قبل أن يحمده العباد ، وقوله : لا إله إلاّ اللّه ـ يعني وحدانيته ـ لا يقبل الأعمال إلاّ بها ، وهي كلمة التقوى ، يثقل اللّه بها الموازين يوم القيامة ، وأما قوله : اللّه أكبر ، فهي كلمة أعلى الكلمات وأجلّها إلى اللّه عزّوجلّ ـ يعني أنه ليس شيء أكبر منه ، ولا تصح الصلاة إلاّ بها لكرامتها على اللّه عزّوجلّ .
سؤال : لماذا أوجب اللّه عزّوجلّ على العباد معرفة الرسل والإقرار بهم والاذعان لهم بالطاعة ؟
جواب : هناك علل كثيرة منها : ان العبد ضعيف ولا يطيق إذا كلّمه اللّه مباشرة وظهر إليه ، وكان اللّه عزّوجلّ متعاليا عن أن يرى ويباشر بنفسه ، فلابد من ان يكون بين اللّه وبين العباد من رسول معصوم يؤدي اليهم أمر اللّه ونهيه وأدبه ، ويفقههم على ما يكون به اجتلاب منافعهم ، ودفع مضارهم .
سؤال : ما هي أول الفرائض ؟
جواب : أول الفرائض الإقرار باللّه ورسوله وحجته ، وبما جاء من عند اللّه .
(65)
سؤال : لماذا أُمر الإنسان بالإقرار باللّه وبرسوله وحجته ، وبما جاء من عند اللّه ؟
جواب : العِلَل كثيرة ، منها : أنّ من لم يقر باللّه لم يتجنب معاصيه ، ولم ينته عن ارتكاب الكبائر ، ولم يراقب أحدا فيما يشتهي ويستلذ من الفساد والظلم ، وإذا فعل الناس هذه الأشياء ، وارتكب كل إنسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لأحد ، كان ذلك فساد الخلق أجمعين ، ووثوب بعضهم على بعض ، فغصبوا الفروج ، والأموال ، وأباحوا الدماء والسبي ، ... فيكون في ذلك خراب ، وهلاك الخلق ، وفساد الحرث والنسل(1) .
سؤال : لماذا لا يجوز أن يكون في الأرض إمامان في وقت واحد أو أكثر من ذلك ؟
جواب : العلّة هي : أن الواحد لا يختلف فعله وتدبيره ، والأثنين لا يتفق فعلهما وتدبيرهما ، وذلك إنّا لم نجد اثنين إلاّ مختلفي الهمم والإرادة ، فإذا كانا اثنين ثم اختلفت هممهما وإرادتهما ، وكانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما أولى بالطاعة من صاحبه ، فيكون في ذلك اختلاف الخلق ، والتشاجر والفساد ، ثم لا يكون أحد مطيعا لأحدهما إلاّ وهو عاص للآخر ، فتعم المعصية أهل الأرض ، ثم لا يكون لهم مع ذلك السبيل إلى الطاعة والإيمان .
(1) علل : ب182 ، ص330 .
(66)
وكذلك لو كانا امامين لكان لكل من الخصمين أن يدعو إلى غير الذي يدعو إليه الآخر في الحكومة ، ثم لا يكون أحدهما أولى بأن يتبع صاحبه من الآخر ، فتبطل الحقوق والاحكام والحدود(1) .
سؤال : لماذا يجب أن يكون الإمام من جنس الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن ذريته ؟
ولا يجوز ان يكون الإمام من غير جنس الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟
جواب : لأن الإمام مفترض الطاعة ، ولابد من دلالة تدل عليه ، ويتميز بها من غيره ، وهي القرابة المشهورة من رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والوصية الظاهرة ، ليعرف من غيره ويهتدي إليه بعينه .
وأنه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسول ، إذ جعل أولاد الرسول أتباعا لأولاد أعدائه ، كأبي جهل وابن أبي معيط ، لأنه قد يجوز بزعمه أنه ينتقل ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين ، فيصير أولاد الرسول تابعين ، وأولاد أعداء اللّه وأعداء رسوله متبوعين ، ولأجل هذا ، كان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أولى بهذه الفضيلة من غيره ، وأحق ...
وكذلك : ان الخلق إذا أقرّوا للرسول بالرسالة ، وأذعنوا له بالطاعة ، لم يتكبر أحد منهم عن أن يتبع ولده ويطيع ذريته ، ولم يتعاظم ذلك في أنفس الناس .
وإذا كان في غير جنس الرسول ، كان كل واحد منهم في نفسه أولى به
(1) علل : ب182 ، ص330 .
(67)
من غيره ، ودخلهم من ذلك الكبر ، ولم تسخُ أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم ، فكان يكون في ذلك داعية لهم إلى الفساد والنفاق والاختلاف(1) .
سؤال : إذا قال قائل : فَلِم وَجب على الخلق الإقرار والمعرفة بأن اللّه واحد أحد ؟
جواب : إذا جاز أن يكون الخالق أكثر من واحد ، لم يهتدوا الى الصانع لهم من غيره ، لأن كل انسان منهم لا يدري لعلّه يعبد غير الّذي خلقه ، ويطيع غير الّذي أمره ، فلا يكونون على حقيقة من صانعهم وخالقهم ، ولا يثبت عندهم أمر آمر ، ولا نهي ناه ، إذ لا يُعرف الآمر بعينه ، ولا الناهي من غيره .
منها : أنه لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يُعبد ويطاع من الآخر ، وفي إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن لا يطاع اللّه ، وفي أن لا يطاع اللّه الكفر باللّه ، وبجميع كتبه ورسله ، وإثبات كل باطل وترك كل حق ، وتحليل كل حرام ، وتحريم كل حلال ، والدخول في كل معصية ، والخروج من كل طاعة ، وإباحة كل فساد ، وابطال كل حق .
ولو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لأبليس أن يدّعي أنه ذلك الآخر حتى يضاد اللّه في جميع حكمه ، ويصرف العباد إلى نفسه ،
(1) علل : ب182 ، ص330 .
(68)
فيكون في ذلك أعظم الكفر وأشد النفاق(1) .
سؤال : العلّة التي من أجلها فرض اللّه عزّوجلّ الصلاة ؟
جواب : فيها علل كثيرة ، منها : أنّ الناس لو تركوا بغير تنبيه ولا تذكير « للّه عزّوجلّ » وللنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأتخذوا دينا آخر ، وكتابا آخر ، واندرس أمرهم ، وذهبوا كما ذهب غيرهم من الأمم ، وكانوا على ما كان عليه الأولون ، وقد أراد اللّه تبارك وتعالى أن لا ينسيهم ذكره ، ولا ينسيهم أمر محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ففرض عليهم الصلاة ، يذكرونه في كل يوم خمس مرات ، ينادون باسمه . وتعبدوا بالصلاة وذكر اللّه لكيلا يغفلوا عنه وينسوه فيندرس ذكره .
ومنها : اقرار بالربوبية للّه عزّوجلّ ، وخلع الأنداد ، والقيام بين يدي اللّه الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة والخضوع ، ووضع الوجه على الأرض كل يوم أربعاً وثلاثين مرّة إعظاما للّه عزّوجل ، خاشعا متذللاً ، ولئلاّ ينسى العبد سيده ومدبره وخالقه فيبطر ويطغى ...(2) .
سؤال : فإن قال قائل : لماذا وجب الإقرار باللّه عزّوجل بأنه ليس كمثله شيء ؟
جواب : قيل : لو لم يكن كذلك ، لجاز أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين ، من العجز والجهل والتغير والزوال والفناء والكذب
(1) علل : ب182 ، ص330 .
(2) علل : ب182 ، ص330 .
(69)
والاعتداء ، ومن جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناؤه ، ولم يوثق بعد له ، ولم يحقق قوله وأمره ورضاه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه ، وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية(1) .
سؤال : لماذا أمر اللّه عزَّوجلَّ بالوضوء للصلاة وبدء به ؟
جواب : من أجل أن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إيّاه ، مطيعا له فيما أمره ، نقيا من الأدناس والنجاسة ، مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس .
سؤال : لماذا أوجب في الوضوء غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين ؟
جواب : لأن العبد إذا قام بين يدي الجبار قائما ينكشف من جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوضوء ، وذلك انه : بوجهه يستقبل اللّه ويسجد ويخضع له ، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتل ، وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده ، وبرجله يقوم ويقعد .
سؤال : لماذا جعلت الصلوات في هذه الأوقات المعروفة ؟ ولم تقدم ولم تؤخّر ؟
جواب : الأوقات المشهورة والمعلومة لجميع أهل الأرض فيعرفها الجاهل والعالم هي أربعة :
1 ـ غروب الشمس : فوجبت عندها صلاة المغرب .
(1) علل : ب182 ، ص330 .
(70)
2 ـ وسقوط الشفق مشهور : فوجب عنده عشاء الآخرة .
3 ـ وطلوع الفجر مشهور : فوجب عنده صلاة الغداة .
4 ـ وزوال الشمس مشهور : فوجب عنده صلاةالظهر .
ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الأوقات الأربعة ، فجعل وقتها الفراغ من الصلاة التي قبلها إلى أن يصير الظل من كل شيء أربعة أضعافه ، « واللّه العالم » .
سؤال : ما هي العلّة من جعل الصلوات في أوقات مختلفة ، ولم تجعل في وقت واحد ؟
جواب : لأن أفضل الأوقات ثلاثة : عند زوال الشمس ، وبعد الغروب ، وبالأسحار ، فأوجب اللّه عزّوجلّ أن يصلى له في هذه الأوقات الثلاثة .
سؤال : لماذا جعلت الخطبة في يوم الجمعة في أول الصلاة ، وجعلت في العيد بعد الصلاة ؟
جواب : قيل : لأن الجمعة أمر دائم ، وتتكرر في الشهر مرارا ، وفي السنة كثيرا ، وخوفا من أن يملّ الناس ويتركوا الخطبة إذا كانت بعد الصلاة ، فجعلت الخطبة قبل الصلاة حتى يحتبس الناس على الصلاة ولا يتفرقوا ولا يذهبوا ، وأما في العيدين ، فإنما هما في السنة مرّتان ، وهما أعظم من الجمعة ، والزحام فيهما أكثر ، والناس فيهما أرغب ، فإن تفرق بعض الناس بقي عامتهم ، وليس هو يكثر فيملّوا ويسخفوا به .
(71)
« أقول : وقد روي أن أول من قدم الخطبتين في صلاة الجمعة عثمان ، لأنه لما أحدث ما أحدث لم يكن الناس ليقفوا على خطبته ، ويقولون : ما نصنع بمواعظه ، وقد أحدث ما أحدث ، فقدم الخطبتين لتقف الناس انتظارا للصلاة ... فتأمل » .
سؤال : إذا قال قائل : ما العلّة في بدأ المصلي في صلاته بسورة الحمد دون سائر السور ؟
جواب : قلنا : لقد جمع اللّه تعالى في سورة الحمد جوامع الخير والحكمة كلها ، وذلك قوله عزّوجلّ : «الْحَمْدُ للّهِ»إنما هو أداء لما أوجب اللّه على خلقه من الشكر لما وفق عبده للخير ، «رَبِّ الْعَالَمِينَ» تمجيدا له ، وتحميدا وإقرارا بإنّه هو الخالق المالك لا غير ، «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»استعطاف وذكر لربّه ونعمائه على جميع خلقه ، «مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ»إقرار له بالبعث والحساب والمجازات ، وايجاب له ملك الآخرة كما أوجب له ملك الدنيا ، «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» رغبة وتقربا إلى اللّه ، وإخلاصا بالعمل له دون غيره ، «وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» استزادة من توفيقه وعبادته ، واستدامة لما أنعم عليه ونصره ، «اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ»استرشادا لأدبه ، اعتصاما بحبله ، واستزادة في المعرفة بربه ، وبعظمته وكبريائه ، «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ» توكيدا في السؤال والرغبة ، وذكراً لما قد تقدم من نعمه على أوليائه ، ورغبة في مثل تلك النعم ، «غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ» استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به وبأمره ونهيه ، «وَلاَ الضَّالِّينَ»
(72)
اعتصاما من أن يكون من الذين ضلّوا عن سبيله من غير معرفة ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فقد اجتمع فيه من جوامع الخير والحكمة في أمر الآخرة والدنيا ما لا يجمعه شيء من الأشياء(1) .
سؤال : لماذا جعل الجهر في بعض الصلوات والاخفات في بعض ؟
جواب : لأن الصلوات التي يجهر فيها إنّما هي صلوات تصلى في اوقات مظلمة ، فوجب أن يجهر فيها لكي يمر المار فيعلم أنّ هاهنا جماعة ، وسمع وعلم ذلك ، والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما فإنّما هما صلاة تكون بالنهار ، وفي أوقات مضيئة ، فلا يحتاج فيها إلى السماع .
سؤال : ما هو السبب في جعل التقصير في الصلاة في مسافة ثمان فراسخ ، لا أقل ولا أكثر من ذلك ؟
جواب : لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال وسير الجمال ، وهو الغالب على المسير ، وهو اعظم السير الّذي يسيره الجمّالون والمُكارون ، فوجب التقصير في مسيرة يوم .
سؤال : قالوا : فلم أمروا بالصلاة على الميت ؟
جواب : قيل : ليشفعوا له ويدعوا له بالمغفرة ، لأنه لم يكن في وقت من الأوقات أحوج إلى الشفاعة فيه ، والطلبة والدعاء والاستغفار من تلك الساعة .
سؤال : قالوا : فلم جعلت خمس تكبيرات في صلاة الميت دون أن تصير
(1) علل : ب182 ص343 .
(73)
أربعا اوستا ؟
جواب : قيل : إنما الخمس أخذت من الخمس الصلوات في اليوم والليلة ، وذلك أنه ليس في الصلاة تكبيرة مفروضة إلاّ تكبيرة الافتتاح ، فجمعت التكبيرات المفروضات في اليوم والليلة ، فجعلت صلاة على الميت . وروي أيضا عن الرضا عليهالسلام انّة قال :
« ... فإنّ اللّه عزّوجلّ فرض على العباد خمس فرائض : الصلاة والزكاة ، والصيام ، والحج ، والولاية ، فجعل للميت في كل فريضة تكبيرة واحدة ، فمن قبل الولاية كبر خمسا ، ومن لم يقبل الولاية كبّر أربعا ، فمن أجل ذلك تكبرون خمسا ومن خالفكم يكبر أربعا ... » .
سؤال : قالوا : فلم لم يكن فيها ركوع ولا سجود ؟
جواب : قيل : لأنه لم يكن يريد بهذه الصلاة التذلل والخضوع ، إنّما أُريد بها الشفاعة لهذا العبد الّذي قد تخلى عما خلّف ، واحتاج إلى ما قدم .
سؤال : قالوا : فلم جوزتم الصلاة على الميت بغير وضوء ؟
جواب : قيل : لأن ليس فيها ركوع ولا سجود ، وإنّما هي دعاء ومسألة ، وقد يجوز أن تدعو اللّه عزّوجلّ وتسأله على أي حال كنت ، وإنّما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع وسجود .
سؤال : علّة الرخصة في الجمع بين الصلاتين ؟
جواب : عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال : إن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم صلى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علّة ولا سبب ، فقال له عمر ـ وكان أجرأ القوم عليه ـ أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : لا ، ولكن أردت أن أوسع على
(74)
اُمتي .
وروى عن ابن عبّاس ، قال : جمع رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، من غير خوف ولا سفر ، ... أراد أن لا يحرج على أحد من أمته ...
سؤال : قالوا : فلم جعلت للكسوف صلاة ؟
جواب : قيل : لأنه آية من آيات اللّه ، لا يدرى لرحمة ظهرت أم لعذاب ، فأحب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يفزع أمته لخالقها وراحمها عند ذلك ، ليصرف عنهم شرها ، ويقيهم مكروهها ، كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا إلى اللّه عزّوجلّ .
سؤال : قالوا : فلم جعل يوم الفطر عيداً ؟
جواب : قيل : لكي يكون للمسلمين مجمعا يجتمعون فيه ، ويبرزون للّه تعالى ، فيحمدونه على ما منَّ عليهم ، فيكون يوم عيد ، ويوم اجتماع ، ويوم فطر ، ويوم زكاة ، ويوم رغبة ، ويوم تضرع ، ولأنه أول يوم من السنة يحل فيه الأكل والشرب ، ولأن أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان ، فأحب اللّه تعالى أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع ، يحمدونه فيه ، ويقدّسونه .
سؤال : قالوا : فلم جعل اللّه تعالى الصوم في شهر رمضان خاصة دون سائر الشهور ؟
جواب : قيل : لأن شهر رمضان هو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن ، وفيه فرّق اللّه بين أهل الحق والباطل ، كما قال تعالى : «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ
(75)
فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ»(1) وفيه ليلة القدر الّذي هي خيرٌ من ألف شهر ، ويقدر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر ، أو مضرة ، أو منفعة(2) ...
سؤال : لماذا إذا حاضت المرأة لا تصوم ولا تصلي ؟
جواب : قيل : لأنها في حد نجاسة ، فأحب اللّه أن لا تتعبد المرأة إلاّ طاهرة ، ولأنه لا صوم لمن لا صلاة له .
وكذلك إن الصيام لا يمنع المرأة من خدمة نفسها وخدمة زوجها ، واصلاح بيتها ... والصلاة تمنعها من ذلك كلّه ، لأن الصلاة تكون في اليوم والليلة مرارا ، فلا تقوى على ذلك ، والصوم ليس كذلك .
ومنها : أنه ليس في وقت يجيىء إلاّ ويجب عليها فيه صلاة جديدة في يومها وليلتها ، وليس الصوم كذلك .
سؤال : لماذا تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة ؟
جواب : لأن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك .
وعن الصادق عليهالسلام قال : لأن الصوم إنّما هو في السنة شهر ، والصلاة في كل يوم وليلة ، فأوجب اللّه عليها قضاء الصوم ، ولم يوجب عليها قضاء الصلاة لذلك(3) .
سؤال : لماذا وجب صوم كفارة الإفطار العمدي شهرين متتابعين دون أن
(1) البقرة : 185 .
(2) باب 182 من ص343 ـ 359 .
(3) علل : باب 224 ص384 .
(76)
يجب عليه شهراً واحدا أو ثلاثة أشهر ؟
جواب : قيل : لأن الفرض الّذي فرضه اللّه تعالى على الخلق هو شهر واحد ، فضوعف هذا الشهر في الكفارة توكيدا وتغليظا عليه .
فإن قيل : فلم جُعلا متتابعين ؟ قيل لئلا يهون عليه الأداء ، فيستخف به ، لأنه إذا قضى متفرقا هان عليه القضاء ، واستخف بالايمان .
سؤال : لماذا أوجب اللّه عزّوجلّ الغسل من الجنابة ولم يجب من البول والغائط ؟
جواب : لأن الجنابة خارجة من كل جسد الإنسان ، فلذلك وجب عليه تطهير كل جسده .
وروي عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّ آدم لما أكل من الشجرة دب ذلك في عروقه وشعره وبشره ، فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كل عرق وشعرة في جسده ، فأوجب اللّه عزّوجلّ على ذريته الإغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة ، والبول يخرج من فضلة الشراب الّذي يشربه الإنسان ، والغائط يخرج من فضلة الطعام الذي يأكله الإنسان ، فأوجب عليهم في ذلك الوضوء .
وايضا ، علّة التخفيف في البول والغائط ، لأنّه أكثر وأدوم من الجنابة ومجيؤه بغير أرادة الإنسان وكثرة مشقته .
سؤال : لماذا صار المذي والودي لا ينقضان الوضوء ؟
جواب : لأنه لم يخرج من مخرج المني ، إنما هو بمنزلة البصاق والمخاط .
سؤال : علّة توجيه الميت إلى القبلة ؟
(77)
جواب : دخل رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم على رجل من ولد عبد المطلب ، فإذا هو يحتضر وقد وجه إلى غير القبلة ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : وجّهوه إلى القبلة ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة ، وأقبل اللّه عليه بوجهه ، فلم يزل كذلك حتى يقبض .
سؤال : لماذا سمّي تارك الصلاة كافرا ، والزاني لا يُسمى كافرا ؟
جواب : لأن الزاني إنما يعمل ذلك لمكان الشهوة ، لأنها تغلبه ، وتارك الصلاة لا يتركها إلاّ استخفافا بها ، وذلك الزاني يأتي المرأة وهو مستلذ لإتيانه إياها قاصدا إليها ، وكل من ترك الصلاة قاصدا لشركها فليس يكون قصده لشركها اللذة ، فإذا انتفت اللذة وقع الاستخفاف ، وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر .
سؤال : العلّة التي من أجلها لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض ... ؟
جواب : قال الإمام الصادق عليهالسلام : لأن السجود هو الخضوع للّه عزّوجلّ ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة اللّه تعالى ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الّذين اغترّوا بغرورها ، والسجود على الأرض أفضل ، لأنه أبلغ في التواضع والخضوع للّه عزّوجلّ .
سؤال : العلّة التي من أجلها ردت الشمس لأميرالمؤمنين عليهالسلام بعد ان غابت ؟
(78)
جواب : « ... ذلك لمّا قعد عليّ عليهالسلام إلى جنب رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأوحى اللّه تعالى إلى نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فوضع رأسه في حجر عليّ عليهالسلام حتى غابت الشمس لا يرى منها شيء ، لا على أرض ولا على جبل ، ثم جلس رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال لعليّ عليهالسلام : هل صليت العصر ؟ فقال : لا يا رسول اللّه ، فلما وضعت رأسك في حجري لم أكن لأحركه ، فقال : اللّهم إنّ هذا عبدك علي احتبس نفسه على نبيك فرد عليه شرقها ، فطلعت الشمس فلم يبق جبل ولا أرض إلاّ طلعت عليه الشمس ، ثم قام عليّ عليهالسلام فتوضأ وصلى ، ثم انكسفت .
سؤال : العلّة التي من أجلها يكبّر المصلي بعد التسليم ثلاثا ويرفع بها يديه ؟
جواب : لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما فتح مكة صلى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود ، فلما سلّم رفع يديه وكبر ثلاثا ، وقال : لا إله إلاّ اللّه وحده وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وغلب الأحزاب وحده ، فله الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو على كل شيء قدير ، ثم أقبل على أصحابه فقال : لا تدَعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كل صلاة مكتوبة ، فإنّ من فعل ذلك بعد التسليم وقال هذا القول كان قد أدى ما يجب عليه من شكر اللّه تعالى ذكره على تقوية الإسلام وجنده .
سؤال : العلّة التي من أجلها يُحرَم الرجل صلاة الليل ؟
جواب : الذنوب تقيد الرجل وتمنعه من صلاة الليل ، وكذلك الكذب ... عن
(79)
الصادق عليهالسلام قال : إنّ الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل ، فإذا حرم صلاة الليل حرم بها الرزق .
جاء رجل إلى أميرالمؤمنين عليهالسلام فقال : يا أميرالمؤمنين إني قد حرمت الصلاة بالليل ، قال : فقال أميرالمؤمنين عليهالسلام : أنت رجل قد قيدتك ذنوبك .
سؤال : علّة صلاة الليل ؟
جواب : أوصى رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة الأطهار عليهمالسلام بالتأكيد على صلاة الليل لما فيها من أجر وثواب وفوائد كثيرة ، قال الصادق عليهالسلام : عليكم بصلاة الليل فإنها سنّة نبيكم ودأب الصالحين قبلكم ، ومطردة الداء عن أجسادكم .
وقال عليهالسلام ايضا : صلاة الليل تبيّض الوجه ، وصلاة الليل تطيب الريح ، وصلاة الليل تجلب الرزق .
وقال عليهالسلام : صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب النهار .
سؤال : ما هي علّة وجوب الزكاة ؟
جواب : إنّما وضعت الزكاة قوتا للفقراء ، وتوفيرا لأموال الأغنياء .
إنّ اللّه عزّوجلّ فرض الزكاة كما فرض الصلاة ، وإن علّة الزكاة من أجل قوت الفقراء ، وتحصين أموال الأغنياء ، لأن اللّه تعالى عندما فرض مثل هذه الأحكام من أجل أن يشكروا اللّه تعالى على نعمه والطمع في الزيادة ، كما قال تعالى : «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ» في أموالكم إخراج الزكاة ، وفي أنفسكم توطين النفس على الصبر
(80)
مع ما في ذلك من أداء شكر نعم اللّه عزّوجلّ ، والطمع في الزيادة مع ما فيه من الزيادة ، والرأفة والرحمة لأهل الضعف ... والحث لهم على المساواة ، وتقوية الفقراء ، وعظة للأغنياء ... .
سؤال : ما هي علّة وجوب الخمس ؟
جواب : قال الأمام الصادق عليهالسلام في الخمس : « ... إني لأخذ من أحدكم الدرهم ، وإني لمن أكثر أهل المدينة مالاً ، ما أريد بذلك إلاّ أن تطهروا .
« أي الخمس والزكاة أوجبها اللّه عزّوجلّ من أجل أن يطهر بها الأموال والأبدان ... » .
سؤال : ما هي العلّة التي أوجب اللّه تعالى من أجلها الصيام على الناس ؟
جواب : عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : العلّة في الصيام ليستوي به الفقير والغني ، وذلك لأن الغني لم يكن ليجدمن الجوع فيرحم الفقير ، لأن الغني كلما أراد شيئا قدر عليه ، فأراد اللّه تعالى ان يسوي بين خلقه ، وأن يذيق الغني من الجوع والألم ، ليرقَّ على الضعيف ويرحم الجائع .
وكذلك ليشعر العبد بمس الجوع والعطش ، ليكون ذليلاً مستكينا مأجورا محتسبا صابرا ، واعظا له في العاجل ، دليلاً على الآجل ، ويكون دليلاً على شدائد الآخرة مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات ... .
(81)