ليو تولستوي
يعد الكونت ليو تولستوي من أعظم العباقرة فى عصرنا هذا فبالاضافة الى كونه أديبا و روائيا تعتبر مؤلفاته من روائع الادب العالمى كما ان هناك العديد من الناس لا ينظرون اليه على انه كاتب فقط بل ومفكر وفيلسوف ومصلح اجتماعى وهذا ليس من فراغ ولكن لتاثير كتاباته على القراء كما ان ليو بذل الكثير من الجهد والعناء ليصل الى تلك الدرجة من الفكر والتدبير فهو من روائع الكتاب فى عصرنا هذا وهذه نبذة عن حياته ومؤلفاته
ولد ليو تولستوى في التاسع من سبتمبر عام 1828، في ضيعة صغيرة تمتلكها عائلته الأرستقراطية، يطلق عليها ياسنايا بوليانا (Yasnaya Polyana) تقع بالقرب من مدينة موسكو، من أعمال روسيا القيصرية.
توفي والداه عندما كان صبياً صغيراً، وتولت خالاته تربيته. وقد تلقى تولستوي تعليمه الأولي، على يد مدرسين خصوصيين أجانب. وفي عام 1844، التحق تولستوي بجامعة كازان (University of Kazan) . إلا أنه سرعان ما ضَجِر من الطريقة، التي يشرح بها أساتذته الموضوعات العلمية، فترك الدراسة، قبل أن يتخرج، وعاد إلى مسقط رأسه عام 1847.
وبدأ تولستوي يعلم نفسه بنفسه. فصار يقضي الساعات الطوال، ينهل من مصادر العلم والمعرفة. وعن هذه الفترة من حياته، كتب تولستوي ثلاث روايات هي: الطفولة (Childhood)،والصبا (Boyhood)، والشباب (Youth).
وفي عام 1853، وعمره خمسة وعشرون عاماً، تطوع تولستوي في الجيش الروسي، العامل في منطقة القوقاز واشترك في حرب القرم، في الفترة ما بين عامي 1853 و1856. وأظهر تولستوى شجاعة فائقة في معركة عرفت باسم معركة "سيفا ستوبول" (Battle of Sevastopol). وعلى الرغم من شجاعته، كره تولستوي الحروب، وكره تشبيه قادة الحروب بالأبطال. وقد كتب قصة "القوزاق" (The Cossacks) عام 1863، واصفاً فيها تجربته أثناء المعارك الحربية. وفي القصة، يُكنُّ الأرستقراطي المهذب، أوليفيه (Olevia)، وهو الشخصية المحورية في القصة، كل الإعجاب لحياة الحرية والتوحش التي تحياها قبائل القوزاق (Cossaks).
وبعد أن ترك الجيش، سافر تولستوى في عدة رحلات إلى غرب أوروبا، عكف فيها على تعلم أساليب التدريس، وطرق التربية. وعند عودته إلى ضيعته، افتتح مدرسة لأولاد الفقراء، كان التعليم فيها معتمداً على الأساليب التربوية السليمة، التي تعلمها تولستوي خلال رحلة حياته. ولتعميم طريقته في التدريس، ونقلها إلى مناطق أخرى من روسيا، أصدر تولستوي دورية علمية أسماها باسم مسقط رأسه، "ياسنايا بوليانا".
أعماله الأدبية
تعد رواية "الحرب والسلام" (War & Peace)، بحق، أروع ما كتب تولستوي من أعمال. وقد نشرت كاملة، في شكلها النهائي، عام 1869، وهي تحكي التسلسل التاريخي لحياة خمس أسر روسية، تمر بخضم التجارب الإنسانية، ومراحل الحياة المختلفة، التي طالما استهوت تولستوي، وهي: الولادة، والنمو، والنضج، والزواج، وإنجاب الأطفال، وتقدم العمر حتى الكهولة والشيخوخة، وأخيراً الموت.
كما تُعد الحرب والسلام، رواية تاريخية، تصف الأحداث السياسية والعسكرية، التي كانت أوروبا مسرحاً لها، إبان الفترة من عام 1805 إلى عام 1820، وهي تُلقي بظلالها، بصفة خاصة، على غزو نابليون لروسياعام 1812.
وفي هذه الرواية أعلن تولستوي، رفضه القاطع لنظرية تخليد التاريخ للرجل العظيم. فيذهب إلى أن الشخصيات العظيمة، أو الأبطال، ليس لهم بصمات مؤثرة على مجريات أحداث التاريخ، كما يعتقد بعض الناس.
ثم نُشرت التحفة الثانية رواية "آنا كارنينا" (Anna Karenina) ، مسلسلة من عام 1875 إلى عام 1877. وتدور الرواية حول خيانة أميرة روسية "آنا" لزوجها "كارنين". وتتأمل الرواية، العلاقة الرومانسية بين آنا والكونت فيرونسكي (Vronsky)، حيث يبدي كل من آنا والكونت ازدرائهما التام، لأفكار الطبقة الأرستقراطية الراقية، التي ينتميان إليها. وتأتي نهاية الرواية بانتحار البطلة، نتيجة الصعوبات الكبيرة، التي واجهت ارتباطها بمن أحبت.
ولكن رواية آنا كارنينا، لم تكن فقط قصة حب، تحوي عناصر مأساوية، بل كانت سرداً لأغوار القضايا الاجتماعية والفلسفية والأخلاقية لروسيا القيصرية، وطبقتها الأرستقراطية. وذلك في سبعينيات القرن التاسع عشر. وتشمل هذه القضايا التصرفات المرائية للطبقة الراقية، تجاه الخيانة الزوجية، ودور الإيمان العقائدي في حياة البشر. وتُطرح الرواية عدداً من هذه القضايا من خلال أفكار وأفعال ليفين (Levin)، وهو الشخصية المحورية الثانية في الرواية، والذي يعبر، في الوقت ذاته، عن أفكار وآراء تولستوي.
بدأ تولستوى، بعد ذلك، رحلة فكرية يتدبر فيها الحياة، ومعناها، والهدف منها. فوضع كل تساؤلاته، وحيرته، وعذابه، في رواية جديدة أسماها "اعترافاتي" (My Confession)، نشرت عام 1882.
واصل تولستوى تأمله في الوجود، ملقياً وراءه كل اعتراضات الكنيسة الروسية على هذا الاتجاه الفلسفي، وكتب مؤَلفاً يعبر عن رأيه، أطلق عليه "مملكة الله مقرها داخلك" (The Kingdom of God is Within you). واعتقد تولستوى أنّ على الإنسان، أن يسعى لاكتشاف أوجه الخير داخله، ولا ينتظر من يُظهرها له. وكان يعتقد أن العنف سلاح الضعيف، الذي لا يملك حجة. أما التسامح، والنقاش الهادئ، القائم على احترام المبادئ، فهو القوة الحقيقية وهو الذي يجب أن يسود.
وفي عام 1898، كتب تولستوي "ما هو الفن"؟ (What is Art?)، وفي هذا الكتاب، وضع نظرية "الفن للحياة"، التي تضفي على الفن بعداً دينياً أو أخلاقياً أو اجتماعياً. وبهذه المعايير، حكم تولستوي، بنفسه، على معظم أعماله الأولى، بأنها "فن أرستقراطي"، كتبت بغير غرض، وبأنها كانت بعيدة عن إدراك وفهم، الإنسان البسيط.
ثم بدأ تولستوى في كتابة أعمال روائية جديدة، تناولت معنى الحياة. وفيها، كان أبطاله من الفقراء البسطاء، بدلاً من النبلاء والأمراء، الذين طالما كتب عنهم من قبل. ففي عام 1886، نشر تولستوى قصة بعنوان "وفاة إيفان أليش" (The Death of Ivan Ilyich)، وفيها حكى قصة فلاح فقير، سقط فريسة لمرض مميت، وبينما هو في سكرات الموت، بدأ يستعرض حياته، وكم كانت فارغة من الأعمال الجيدة.
وتأتي رواية "البعث" (Resurrection)، كأعظم أعمال وإنجازات الفترة الأخيرة من حياة تولستوي، وهي قصة امرأة أُخذت بجريمة لم ترتكبها، ورجل نبيل ينشد التكفير عن خطاياه.
وتأتي بعدها رواية "الشيطان" (Devil)، عام 1898، وهي تركز على الحب والغيرة والجانب المدمر للغريزة الجنسية. ورواية "الحاج مراد" (Hadji Murad)، التي نشرت بعد موت تولستوي، وهي تحكي قصة زعيم إحدى القبائل في جبال القوقاز. وفي هذه الرواية يسطع نجم تولستوي، مرة ثانية، بوصفة محللاً نفسياً قديراً، وأديباً قلما جاد الزمن بمثله.
تولستوي وزوجته
وفي عام 1862، تزوج تولستوى، سونيا بيرس (Sonya Behrs)، وعاشا معاً حياة ملؤها الحب والسعادة. فقد تزوجا بعد حب مشتعل، وكانت سونيا في السابعة عشرة من عمرها، وتولستوي في الرابعة والثلاثين، وقد بلغ درجة عالية من الشهرة والنجاح الأدبي.
وعقب سنوات الزواج الطويلة، كانت حياتهما تنتقل من نجاح إلى نجاح، ومن تألق إلى مزيد من التألق، خاصة بعد أن أصبح تولستوي، واحداً من الأدباء المعدودين في عصره، وأصبح شخصية عالمية مرموقة، يقصدها الناس من كل بلاد الدنيا، طلباً للتعرف عليه والتعلم منه، وفهم أفكاره الإنسانية العظيمة.
وكانت سونيا، كما قال عنها تولستوي، "زوجة مثالية". فقد ولدت له ثلاثة عشر طفلاً، مات منهم ثلاثة. فقد كان تولستوي، مثل سائر الفلاحين، يحب كثرة الأولاد. ومن ناحية أخرى، كانت سونيا متعلمة ومثقفة، إذ تخرجت في جامعة مرموقة، إضافة إلى إجادتها عدة لغات غير الروسية، شأنها في ذلك شأن بنات الطبقات الأرستقراطية، فقد كانت تجيد الفرنسية والألمانية والإيطالية والإنجليزية. وخلال السنوات التي سبقت زواجها، نشرت سونيا بعض الكتب الأدبية من تأليفها. وبعد زواجها من تولستوي، استخدمت إمكاناتها الثقافية في مساعدة زوجها، العبقري الفنان، الذي قال عنها إنها "الزوجة المناسبة تماماً للكاتب". فقد كان يملي عليها مؤلفاته، وكانت من جانبها تبذل جهداً كبيراً لنسخ مسوداته وإعدادها للنشر، وكان تولستوي يستشيرها في تصويره لبعض شخصياته النسائية، فكانت تقدم له ملاحظات دقيقة وثمينة، يستفيد منها في رواياته المختلفة.
واستمر الأمر بين الزوجين على هذه الصورة المثالية، من التفاهم والتعاون والسعادة المشتركة. ومضت الحياة بهما في جو من البهجة لمدة تقارب أربعين عاماً. ثم جاءت المأساة بعد أن بلغ تولستوي، السبعين من عمره
م.ن