قال تعالى ( واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ) . وقال تعالى : ( وهو
الغفور الودود) والود مأخوذ من الود بضم الواو بمعنى خالص المحبة فالودود هو المحب
المحبوب بمعنى واد مودود ، فهو الواد لأنبيائه وملائكته وعباده المؤمنين ، وهو
المحبوب لهم بل لا لشئ أحب إليهم منه ، ولا تعادل محبة الله من أصفيائه محبة أخرى ،
لا في أصلها ، ولا في كيفيتها ، ولا في متعلقاتها ، وهذا هو القرض والواجب أن تكون
محبة الله في قلب العبد سابقة لكل محبة ، غالبة لكل محبة ويتعين أن تكون بقية
المحاب تبعاً لها . ومحبة الله هي روح الأعمال ، وجميع العبودية الظاهرة والباطنة
ناشئة عن محبة الله ، ومحبة العبد لربه فضل من الله وإحسان ، ليست بحلول العبد ولا
قوته فهو تعالى الذي أحب عبده فجعل المحبة في قلبه ، ثم لما أحبه العبد بتوفيقه
جازاه الله بحب آخر ، فهذا هو الإحسان المحض على الحقيقة ، إذ منه السبب ومنه
المسبب ، ليس المقصود منها المعاوضة ، وإنما ذلك محبة منه تعالى للشاكرين من عباده
ولشكرهم ،فالمصلحة كلها عائدة للعبد ، فتبارك الذي جعل وأودع المحبة في قلوب
المؤمنين ، ثم لم يزل ينميها ويقويها حتى وصلت في قلوب الأصفياء إلى حالة تضاءل
عندها جميع المحاب ، وتسليهم عن الأحباب ، وتهون عليهم المصائب ، وتلذذ لهم مشقة
الطاعات ، وتثمر لهم ما يشاءون من أصناف الكرامات التي أعلاها محبة الله والفوز
برضاه والإنس بقربه. فمحبة العبد لربه محفوفة بمحبتين من ربه : فمحبة قبلها صار بها
محباً لربه ، ومحبة بعدها شكراً من الله على محبة صار بها من أصفيائه المخلصين .
وأعظم سبب بكتسب به العبد محبة ربه التي هي أعظم المطالب ، الإكثار من ذكره
والثناء عليه ، وكثرة الإنابة إليه ، وقوة التوكل عليه ، والتقرب إليه بالفرائض والنوافل
، وتحقيق الإخلاص له في الأقوال والأفعال ، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً
وباطناً كما قال تعالى ( قلإن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله ) .