قال الله تعالى : ( وأنه هو الغني وأقنى) . وقال الله تعالى : ( يا أيها الناس أنتم
الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) فهو تعالى (الغني) الذي له الغنى التام المطلق
من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته التي لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه ، ولا
يمكن أن يكون إلا غنياً فإن غناه من لوازم ذاته ، كما لا يكون إلا محسناً ، جواداً ، براً
رحيماً كريماً ، والمخلوقات بأسرها لا تستغني عنه في حال من أحوالها ، فهي مفتقرة
إليه في إيجادها ، وفي بقائها ، وفي كل ما تحتاجه أو تضطر إليه ، ومن سعة غناه
أن خزائن السماوات والأرض والرحمة بيده ، وأن جوده على خلقه متواصل في جميع
الأوقات ، وأن يده سخاء الليل والنهار ، وخيره على الخلق مدرار . ومن كمال غناه
وكرمه أنه يأمر عباده بدعائه ، ويعدهم بإجابة دعواتهم وإسعافهم بجميع مراداتهم ،
ويؤتيهم من فضله ما سألوه وما لم يسألوه ، ومن كمال غناه أنه لو اجتمع أول الخلق
وأخرهم في صعيد واحد فسالوه ، فأعطى كلاً منهم ما سأله وما بلغت أمانيه ما نقص
من ملكه مثقال ذرة ، ومن كمال غناه وسعة عطاياه ما يبسطه على أهل دار كرامته من
النعيم واللذات المتتابعات ، والخيرات المتواصلات ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ،
ولا خطر على قلب بشر. ومن كمال غناه أنه لم يتخذ صاحبة ، ولا ولداً ، ولا شريكاً في
الملك ، ولا ولياً من الذل ، فهو الغني الذي كمل بنعوته وأوصافه ، المغني لجميع
مخلوقاته . والخلاصة أن الله الغني الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه وهو
الغني جميع خلقه ، غنى عاماً ، والغني لخواص خلقه ، بما أفاض على قلوبهم ، من
المعارف الربانية ، والحقائق الإيمانية .