باب في علل أحوال الأئمة الأطهار عليهمالسلام وعصمتهم
سؤال : لماذا يجب ان يكون الإمام معروف القبيلة ومعروف النسب معروف البيت ، وكذلك يجب ان يكون الإمام أعلم الخلق ، وأشجعهم ، واسخاهم ، ومعصوما من الذنوب ... ؟
جواب : هذه الصفات يجب أن يتحلّى بها الخليفة بعد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام المفترضة طاعته ، فإذا تمكن الإمام من الحصول على هذه الصفات الثماني يتمكن ان يكون اماما وخليفةً بعد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم .
سأل ضرار هشام بن الحكم عن الدليل على وجود الإمام بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ فقال هشام : الدلالة على الإمام بعد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمانية ، أربعة منها في نعت نسبه ، وأربعة في نعت نفسه ، اما الأربعة التي في نعت نسبه فهي :
أن يكون الخليفة معروف القبيلة ، معروف الجنس ، معروف النسب ، معروف البيت ، ولا يوجد في العالم انسان أظهر وأشهر وانزه من جنس محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو جنس العرب ، صاحب الدعوة الاسلامية ومبلّغ رسالة السماء عن اللّه تعالى ، والّذي ينادى باسمه في كل يوم وليلة خمس مرات على الصوامع والمساجد في جميع العالم : « أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأن محمّدا رسول اللّه » ووصلت دعوته إلى كل برٍّ وفاجر ، من عالِمٍ وجاهل .
(46)
وعلى هذا لابد أن يكون هذا الإنسان من هذا الجنس ، لابد أن يكون من قبيلة هي أفضل قبائل العرب ، ومن بيت هو أفضل البيوت ، وهو بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، الّذي تربى وترعرع فيه الإمام عليّ عليهالسلام ، ولابد ان يكون من نسبه .
وأمّا الأربعة التي في نعت نفسه هي : أن يكون أشجع الخلق ، وأعلم الخلق ، وأسخى الخلق ، وأعف الخلق ، واعصمهم من الذنوب ، صغيرها وكبيرها ، ولم تصبه فترة ولا جاهليه ، أي لم يعبد الاصنام قط .
وإذا لم يكن أعلم الخلق ، لا يؤمن على حكمه وقضائه بين الناس لأن احتمال الأخطاء والانحراف فيه واردة ، فيقطع من يجب عليه الحد ، ويحد من يجب عليه القطع وإذا لم يكن معصوما ، لم يؤمن أن يدخل فيما دخل فيه غيره من الذنوب ، ويحتاج إلى من يقيم عليه الحد .
وإذا لم يكن أشجع الخلق ، لم يكن قيّمهم ، ولابد للقائد ان يكون قيّماً يرجعون إليه في الحرب ولا يهرب .
وإذا لم يكن أسخى الخلق ، لأنه إذا لم يكن سخيّا لم يصلح للإمامة ، لحاجة الناس إلى فضله والقسمة بينهم بالسويّة ، ويجعل الحق في موضعه ، وإذا لم تتجلى هذه الصفات في الإمام لم يجزله أن يكون اماما .
سؤال : ما هي العصمة في الإمام ؟ وبأي شيء تعرف ؟
جواب : إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه ولا خامس لها : الحرص ، الحسد ،
(47)
والغضب ، والشهوة ، فهذه الصفات منفية عن الإمام ولا يجوز أن يكون حريصا على هذه الدنيا ، لأن الدنيا تحت يديه ومثل خاتمه بيده ، وإنّة خازن المسلمين ، فعلى ماذا يحرص ، ولا يجوز أن يكون حسودا لأن الإنسان إنما يحسد من فوقه ، وليس فوقه أحد ، فكيف يحسد من هودونه .
ولا يجوز أن يغضب لشيء من أمور الدنيا ، إلاّ أن يكون غضبه للّه عزّوجلّ ، فإنّ اللّه فرض عليه إقامة الحدود ، وألا تأخذه في اللّه لومة لائم .
ولا يجوز له أن يتبع الشهوات ، ويؤثر الدنيا على الآخرة ، لأن اللّه عزّوجلّ قد حبب إليه الآخرة كما حبب إليه الدنيا ، فهو ينظر إلى الآخرة كما ينظر إلى الدنيا ، فهل رأيت أحدا ترك وجها حسنا لوجه قبيح ؟ وطعاما طيبا لطعام مرّ ؟ ونعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية ؟
سؤال : ما هي العلّة التي من أجلها صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن صلوات اللّه علهيما ؟
جواب : سأل أحد أصحاب الإمام الصادق عليهالسلام عن سبب نزول قوله تعالى : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(1) ، قال عليهالسلام : نزلت في النبيّ وأميرالمؤمنين ، ثم الحسن والحسين وفاطمة عليهمالسلام ، فلما قبض اللّه عزّوجلّ نبيّه كان
(1) الاحزاب : 33 .
(48)
أميرالمؤمنين ، ثم الحسن ، ثم الحسين عليهماالسلام ، وعلى هذا يتضح تأويل هذه الآية المبارك حيث يقول عزّوجلّ : «وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ»(1) وكان عليّ بن الحسين عليهماالسلام إماما ، ثم جرت في الأئمة من ولده الأوصياء عليهمالسلام ، فطاعتهم طاعة اللّه ، ومعصيتهم معصية اللّه عزّوجل .
وروي أنه لما حملت فاطمة عليهاالسلام بالحسين عليهالسلام وضعته لستة أشهر ، ولم يعش مولود قط لستة أشهر غير الحسين بن علي ، وعيسى بن مريم عليهماالسلام ، فكفلته أم سلمة ، وكان رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يأتيه في كل يوم فيضع لسانه في فم الحسين عليهالسلام فيمصه حتى يروى ، فأنبت اللّه تعالى لحمه من لحم رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يرضع من فاطمة عليهاالسلام ، ولا من غيرها لبنا قط ، وفيه نزل قوله تعالى : «حَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي»(2) .
فلو قال : أصلح لي ذريتي ، كانوا كلهم أئمة ، لكن خص هكذا .
هذه إحدى معاجز الإمام الحسين عليهالسلام والشاهد على إمامته وإمامة أولاده عليهم الصلاة والسلام من بعده الذين خصهم اللّه تعالى وعيّنهم
(1) الأنفال : 75 .
(2) الأحقاف : 15 .
(49)
من قبل أن يولدوا ، هكذا شاءت الحكمة إلالهية والمصلحة الربانية أن يعيش الحسين عليهالسلام لستة أشهر وان يُستشهد هو وأصحابه وأبناؤه جميعا في كربلاء ويبقى ولده الإمام السجاد عليهالسلام حيّا ولم يُقتل مع قساوة الأعداء وبطشهم بالحسين عليهالسلام وأهل بيته ، وأصبحت الإمامه في عقب الإمام السجاد عليهالسلام ، قال عزّوجلّ : «وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ»(1) هكذا شاء اللّه عزّوجلّ واقتضت الحكمة الإلهية .
عن محمّد بن أبي يعقوب البلخي ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام قلت له : لأي علّة صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن عليهالسلام ؟ قال : لأن اللّه عزّوجل جعلها في ولد الحسين ولم يجعلها في ولد الحسن ، واللّه لا يُسأل عما يفعل ... » .
سؤال : ما هي العلّة التي من أجلها صالح الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما معاوية بن أبي سفيان ... ؟
جواب : روي عن الإمام الصادق عليهالسلام في حديث قال في نهايته : « إنّه أعلم بما صنع ، لو لا ما صنع لكان أمر عظيم .
وفي جواب الامام الحسن بن علي عليهماالسلام عند ما سُئل : لماذا صالحت قال : ... علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لبني ضمرة ، وبني أشجع ، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك
(1) الأحزاب : 6 .
(50)
كفار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل ... وقال عليهالسلام :
يا أبا سعيد : إذا كنتُ إماما من قِبل اللّه تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة ، أو محاربة ، ... ألا ترى الخضر عليهالسلام لما خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وأقام الجدار ، سخط موسى عليهالسلام فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضى ، هكذا أنا ... ولو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قتل ... « فتأمل وقارن الأمس باليوم ... »(1) .
سؤال : لماذا لم يدفن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام مع جده رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم .
جواب : أوصى الإمام الحسن أخاه الحسين عليهماالسلام أن الاّ يهرق ملءَ محجمة دما من أجله في دفنه وتشييع جنازته ، وعندما استشهد الحسن عليهالسلام أراد أخوه الحسين عليهالسلام أن يدفنه مع جده رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم جاءت عائشة إلى المسجد راكبة البغل ، فمنعت أن يدفن الحسن بن عليّ عليهماالسلام مع رسول اللّه . وقالت : لا تُدخلوا بيتي من لا أُحبّ .
وقال الصادق عليهالسلام : أول امرأة ركبت البغل بعد رسول اللّه عائشة .
سؤال : لماذى صار يوم عاشوراء أعظم الأيام مصيبة من بقية الأنبياء والأئمة الأطهار عليهمالسلام ؟
جواب : سأل أحد أصحاب الإمام الصادق عليهالسلام واسمه « عبداللّه بن الفضل
(1) علل : باب 159 .
(51)
الهاشمي »
قال : كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء ، دون اليوم الّذي قبض فيه رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واليوم الّذي ماتت فيه فاطمة عليهاالسلام واليوم الذي قتل فيه أميرالمؤمنين عليهالسلام ، واليوم الّذي قتل فيه الإمام الحسن ، بالسم ، فقال عليهالسلام : إن يوم الحسين عليهالسلام اعظم مصيبة من جميع سائر الأيام ، وذلك أن اصحاب الكساء الّذين كانوا أكرم الخلق على اللّه تعالى ، كانو خمسة ، فلما مضى رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عنهم بقي عليّ عليهالسلام وفاطمة والحسن والحسين ، فكان فيهم للناس عزاء وسلوة .
فلما مضت فاطمة عليهاالسلام ، كان في أميرالمؤمنين والحسن والحسين عليهمالسلام سلوة وعزاء للناس ، فلما مضى أميرالمؤمنين والحسن عليهالسلام ، كان للناس في الحسين عليهالسلام سلوة وعزاء .
فلما قتل الحسين عليهالسلام لم يبقَ من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة .
فلما قتل الحسين عليهالسلام ، لم يكن بقى من أهل الكساء أحد للناس يمكن التسلي فيه ، فكان ذهابه عليهالسلام كذهاب جميعهم ، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم ، فلذلك صار يوم الحسين عليهالسلام أعظم مصيبة(1) .
سؤال : ما هي العلّة التي من أجلها قبل الإمام الرضا عليهالسلام من المأمون
(1) علل : باب 162 .
(52)
ولاية العهد ؟
جواب : جرى حديث مفصّل وصريح بين المأمون العبّاسي والإمام الرضا عليهالسلام حول تولية العهد للإمام الرضا عليهالسلام بعد المأمون ، يذكرها لنا أحد المقربين للإمام الرضا عليهالسلام اسمه « أبو الصلت الهروي » .
قال : إنّ المأمون قال للرضا علي بن موسى عليهالسلام : يابن رسول اللّه قد عرفت فضلك ، وعلمك ، وزهدك ، وورعك ، وعبادتك ، وأراك أحق بالخلافة منّي .
فقال الرضا عليهالسلام : بالعبودية للّه عزّوجل أفتخر وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا ، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم ، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند اللّه تعالى .
فقال المأمون : إنّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة ، وأجعلها لك ، وأبايعك .
فقال الرضا عليهالسلام : إن كانت هذه الخلافة لك وجعلها اللّه لك فلا يجوز لك أن تخلع لباسا ألبسكه اللّه ، وتجعله لغيرك ، وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك .
فقال المأمون له : يا بن رسول اللّه لابد لك من قبول هذا الأمر ، فقال : لست أفعل ذلك طائعا أبدا ، فما زال يجهد به أياما حتى يئس من قبوله ، فقال له : إن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك ، فكن ولي عهدي ، لتكون لك الخلافة بعدي .
فقال الرضا عليهالسلام : واللّه لقد حدثني أبي ، عن آبائه ، عن أمير
(53)
المؤمنين عليهالسلام ، عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أني أخرج من الدنيا قبلك مقتولاً بالسم ، مظلوما ، تبكي عليّ ملائكة السماء وملائكة الأرض ، وأدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد ، فبكى المأمون « اي تباكى » ثم قال له : يا بن رسول اللّه من الّذي يقتلك أو يقدر على الاسائة إليك وأنا حيّ ؟ قال الرضا عليهالسلام : أما إني لو أشاء أن اقول من الّذي يقتلني لقلت .
فقال المأمون : يا بن رسول اللّه إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ، ودفع هذا الأمر عنك ، ليقول الناس إنك زاهد في الدنيا .
فقال الرضا عليهالسلام : واللّه ما كذبت منذ خلقني ربي تعالى ، وما زهدت في الدنيا للدنيا ، اني لأعلم ما تريد ، قال المأمون : وما أريد ؟ قال : الأمان على الصدق ، قال : لك الأمان ، قال : تريد بذلك ان يقول الناس إن علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا ، بل زهدت الدنيا فيه ، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة ،
فغضب المأمون ، ثم قال : إنك تتلقاني أبدا بما أكرهه ، وقد أمنت سطوتي ، « فباللّه أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلاّ أجبرتك على ذلك ، فإن فعلت وإلاّ ضربت عنقك » .
فقال الرضا عليهالسلام : قد نهاني اللّه عزّوجل أن أُلقي بيدي إلى التهلكة ، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك ، وأنا أقبل ذلك على أن لا أولى أحدا ، ولا أعزل أحدا ، ولا أنقض رسما ، ولا سنة ، وأكون في الأمر بعيدا ، مشيرا ، فرضي منه بذلك ، وجعله ولي عهده على كراهة
(54)
منه عليهالسلام لذلك .
هذا هو السبب والعلّة المهمة التي أراد المأمون تولية الإمام الرضا ، والسبب الآخر في موافقته عليهالسلام على القبول ، هو : حيث كانت في ذلك الزمان اضطرابات و ثورات كثيرة من قبل العلويين وأراد المأمون اسكاتهم وأمن خطرهم بهذا العمل ... فتأمل(1) .
سؤال : العلّة التي من أجلها قتل المأمون الإمام الرضا عليهالسلام بالسم :
جواب : روي عن محمّد بن سنان انّه قال : كنت جالسا عند مولاي الرضا عليهالسلام بخراسان ، وكان المأمون يقعده عن يمينه إذا قعد للناس يوم الأثنين ويوم الخميس .
جاؤوا برجل من الصوفية إلى المأمون قد سرق ، فلما نظر إليه وجده متقشفا ، بين عينيه أثر السجود ، فقال : سوأة لهذه الآثار الجميلة ، وهذا الفعل القبيح تنسب إلى السرقة مع ما أرى من جميع آثارك وظاهرك ، قال : فقال : ذلك اضطرارا لا اختيارا ، حين منعتني حقي من الخمس والفيء ، وأنا ابن السبيل منقطع بي ، ومسكين لا أرجع إلى شيء ومن حملة القرآن .
فقال المأمون : أعطل حدا من حدود اللّه وحكما من احكامه في السارق من أجل أساطير هذه ؟
فقال الصوفي : ابدأ بنفسك فطهرها ، ثم طهّر غيرك ، وأقم حدّ اللّه
(1) علل : باب 173 .
(55)
عليها ، فالتفت المأمون إلى أبي الحسن عليهالسلام فقال : ما يقول ؟ فقال : إنه يقول : سرقت ، فسرق ، فغضب المأمون غضبا شديدا .
ثم قال للصوفي : واللّه لأ قطعنك ، فقال الصوفي : أتقطعني وأنت عبد لي ؟ فقال المأمون : ويلك ومن أين صرت عبدا لك ؟ قال : لأنّ أمك اشتريت من مال المسلمين ، فأنت عبد لمن في المشرق والمغرب حتى يعتقوك ، وأنا لم أعتقك ، ثم بلعت الخمس بعد ذلك ، فلا أعطيت آل الرسول حقا ، ولا أعطيتني ونظرائي حقا ، واُخرى إنّ الخبث لا يطّهر خبثا مثله ، إنّما يطهره طاهر ، ومن في جنبه الحدّ فلا يقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه ، أما سمعت اللّه تعالى يقول : «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»(1) ... فالتفت المأمون إلى أبي الحسن عليهالسلام فقال : ما ترى في أمره ؟ فقال عليهالسلام : قل فللّه الحجة البالغة ، وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه ، والدنيا والآخرة قائمتان بالحجة ، وقد احتج الرجل بالقرآن .
فأمر المأمون عند ذلك بإطلاق الصوفي ، واحتجب عن النّاس ، واشتغل بأبي الحسن عليهالسلام حتى سمّه ، وقتل الفضل بن سهل ، وجماعة من الشيعة(2) .
(1) البقرة : 44 .
(2) علل : باب 174 .
(56)
« وذلك بتاريخ 7 صفر سنة أو 28 صفر على رواية » .
« هكذا كان دأب الخلفاء الأمويين والعباسين الذين يدّعون الإسلام ، والإسلام منهم بُراء ، قد قضوا على أبناء رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته الأطهار عليهمالسلام بين قتيل ومسموم ، من أجل حبهم للدنيا الفانية والمناصب الزائلة .
وهذا سبب من الأسباب التي من أجلها قتل المأمون الإمام الرضا عليهالسلام ، لأنه حكم عليه الإمام بالجاني والسارق ، وهناك اسباب اُخرى ... واللّه العالم » .
سؤال : هل يجوز أن يسلط اللّه عدوه على وليه ؟
جواب : سأل رجل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدسسره (1) قال : أخبرني عن الحسين بن علي عليهالسلام أهو ولي اللّه ؟
قال : نعم ، قال : أخبرني عن قاتلة لعنه اللّه أهو عدو اللّه ؟
قال : نعم ، قال الرجل : فهل يجوز أن يسلط اللّه عدوه على وليه ؟
فقال أبو القاسم قدسسره : افهم عني ما أقوله لك : اعلم ان اللّه تعالى لا يخاطب الناس بشهادة العيان ، ولا يشافههم بالكلام ، ولكنه عزّوجلّ بعث إليهم رُسلاً من أجناسهم بشرا مثلهم ، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق .
فجعل اللّه تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم من
(1) الحسين بن روح أحد السفراء الأربعة للحجة ( عج ) .
(57)
جاء بالطوفان ، ومنهم من ألقي في النار ، فكانت عليه بردا وسلاما ، ومنهم من فلق له البحر ، وفجر له من الحجر العيون ، وجعل له العصا اليابسة ثعبانا فتلقف ما يأفكون ... إلى غير ذلك من المعاجز الكثيرة ، للأنبياء ، والأوصياء .
فلما أتوا بمثل ذلك ، وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير اللّه تعالى ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه وأوصياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين ، وفي أُخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين ، وفي حال مقهورين ، ولو جعلهم عزّوجلّ في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ، ولم يمتحنهم ، لأتخذهم الناس آلهة من دون اللّه تعالى ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ، ولكنّه عزّوجلّ جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ، ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم عليهمالسلام إلها ، هو خالقهم ، ومدبرهم ، فيعبدون ويطيعون رسله ، وتكون حجة اللّه تعالى ثابته على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم الربوبية ، أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل ، وليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة .
« هذا ما نقله السفير الحسين بن روح قدسسره عن الحجة المنتظر عجل اللّه فرجه الشريف وجعلنا من انصاره واعوانه والمستشهدين بين يديه
(58)
وعلى نهجه ... » .
سؤال : ما هي علّة عداوة بني اُمية لبني هاشم ؟
جواب : هناك عللّ وأسباب كثيرة كانت وراء عداء بني اُمية لبني هاشم عليهمالسلام ، ومن أهمها : الحسد ، روى في الأنوار النعمانية نقلاً عن الكليني رحمهالله أنه كان بين الحسين عليهالسلام وبين يزيد عداوة أصلية وعداوة فرعية ، أما العداوة الأصلية إنه : ولد لعبد مناف ولد ان : أسماهما ، هاشم وأمية ، ملتزقا ظهر كل واحد منهما بظهر الآخر ، ففرق بينهما بالسيف ، فلم يرتفع السيف من بينهما وبين أولادهما حتى وقع بين حرب بن أميه ، وعبد المطلب بن هاشم ، وبين أبي سفيان بن حرب ، وأبي طالب ، وبين معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب عليهالسلام ، وبين يزيد بن معاوية ، والحسين بن علي عليهماالسلام .
كان الامام الصادق عليهالسلام يحذّر أصحابه من الحسد ويقول : « اتّقوا اللّه ولا يحسد بعضكم بعضا ، إنَّ عيسى بن مريم كان من شرايعه السيح في البلاد ـ اي يسيح في الأرض لأجل العبادة ، ـ فخرج في بعض سيحه ومعه رجلٌ من أصحابه قصيرٌ وكان كثير اللّزوم لعيسى عليهالسلام ، فلمّا انتهى عيسى إلى البحر قال : بسم اللّه ، بصحّة يقين منه فمشى على ظهر الماء ، فقال الرَّجل القصير حين نظر إلى عيسى عليهالسلام : جازه بسم اللّه بصحّة يقين منه فمشى على الماء ولحق بعيسى عليهالسلام ، فدخله العجب بنفسه ، فقال : هذا عيسى روح اللّه يمشي على الماء وأنا أمشي على الماء ، فما فضله عليّ ، قال عليهالسلام : فرمس في الماء
(59)
فاستغاث بعيسى فتناوله من الماء فأخرجه ثمَّ قال له : ما قلت يا قصير ؟ قال : قلت : هذا روح اللّه يمشي على الماء وأنا امشي على الماء فدخلني في ذلك عجبٌ ، فقال له عيسى : لقد وضعت نفسك في غير الموضع الّذي وضعك اللّه فيه فمقتك اللّه على ما قلت ، فتب إلى اللّه عزّوجلّ ممّا قلت ، قال : فتاب الرجل وعاد إلى مرتبته التي وضعه اللّه فيها ، فاتّقوا اللّه ولا يحسدن بعضكم بعضا .
قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : كاد الفقر أن يكون كفرا ، وكاد الحسد أن يغلب القدر(1) .
سؤال : ما هي علّة غيبة الإمام المهدي عَجَّلَ اللّه فرجه ؟
جواب : عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال في الأسباب والعلل التي من أجلها غاب الإمام المهدي ( عج ) حسب ما نقله ، فضالة بن أيوب ، عن سدير قال : سمعت أبا عبد اللّه عليهالسلام يقول : إن في القائم سنة من يوسف ، قلت : كأنك تذكر خبره أو غيبته ، قال لي : وما تنكر من هذه الأمة أشباه الخنازير ، إن اخوة يوسف كانوا أسباطا ، أولاد أنبياء تاجروا بيوسف وباعوه وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم ، فلم يعرفوه حتى قال لهم يوسف : أنا يوسف .
فما تنكر هذه الأمة أن يكون اللّه عزّوجلّ في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجته ، لقد كان يوسف أحبّ إليه من ملك مصر ، وكان بينه
(1) الكافي : ج2 ص306 .
(60)
وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوما ، فلو أراد اللّه عزّوجلّ أن يعرف مكانه لقدر على ذلك ، واللّه لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر .
فما تنكر هذه الامة أن يكون اللّه أن يفعل بحجته ما فعل حتى يأذن اللّه عزّوجلّ أن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف حين قال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ، قالوا : إنك لأنت يوسف ، قال : أنا يوسف وهذا أخي(1) .
عن الصادق عليهالسلام أيضا إنه قال : إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها ، يرتاب فيها كل مبطل ، فقلت له : ولم جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم ، قلت فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج اللّه تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره ، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليهالسلام من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار لموسى عليهالسلام إلاّ وقت افتراقهما .
يا بن الفضل ، انّ هذا الأمر أمر من أمر اللّه ، وسرّ من سرّ اللّه ، وغيب من غيب اللّه ، ومتى علمنا انّه عزّوجلّ حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف لنا(2) .
(1) علل : ب179 .
(2) علل : ص327 .